نلاحظ على الدوام عند تساقط الأمطار، استقرارها في الأراضي المنخفضة بحكم قانون الجاذبية.
كما نلاحظ خضوع مياه الأنهار لنفس القانون عند انحدارها من المرتفعات الى الأراضي المنخفضة.
ولقد تعلمنا في درس الجغرافية، أن مصادر مياه الأنهار تأتي من ذوبان الثلوج فوق قمم الجبال! وهذه المعلومة أصبح مشكوك بصحتها. فقد تصح بعض الشيء في فصل الربيع عند ازدياد درجات الحرارة.
لكن ماذا عن بقية الفصول؟
بل ماذا عن فصل الخريف عندما تكون الثلوج قد ذابت منذ أشهر بعيدة وتيبست الأشجار على قمم الجبال وسفوحها وراحت الحرائق تندلع في غاباتها بحكم حرارة الجو!؟ ومع ذلك، نلاحظ في هذا الفصل استمرار جريان مياه الأنهار وهي تتدفق من فوهات الينابيع وفتحات العيون من قمم الجبال؟!
فمن أين تأتي هذه المياه، وما هو سرّ استمرارها ودواميتها، وكيف تظهر متدفقة من عيون الماء المرتفعة عن سطح الأرض بمئات الأمتار على أعلى قمم الجبال؟
والمفروض أنها خاضعة لحكم الجاذبية وعليها التجمع في الأراضي المنخفضة أسفل سفوح الجبال ووديانها بدلا من صعودها متسلقة بواطن الجبال الصخرية الى قممها؟لا يمكن تفسير صعود وتسلق المياه لبواطن الجبال الصخرية والخروج من فتحاتها، إلا إذا فكرنا بسرعة دوران الأرض حول نفسها وما يخلقه هذا الدوران من قانون الطرد المركزي.
فالأرض تدور بسرعة كبيرة جدا لا يمكن تصورها، وهذا يؤثر على كل ما يتغلغل في داخلها من مياه الأمطار الى مستويات معينة في مختلف أنحاء الأرض فيدفعه للسير في قنوات مائية تكونت على مدى تاريخ الأرض ثم ليخرج في النهاية من فتحات العيون والينابيع.
لكن لماذا تخرج هذه المياه من قمم الجبال فقط بهذه الكميات الهائلة لتكون أنهاراً عظيمة، ولا تخرج من الأراضي المنخفضة؟
يمكن بهذه التجربة العملية البسيطة تفسير الموضوع ومعرفة الحل. فلو أتينا بكرة كبيرة صلبة الجدار وفتحنا على سطحها فتحات صغيرة، وزودنا مجموعة من هذه الفتحات بأنابيب طويلة ناتئة، بينما نترك بقية الفتحات على حالها. ثم نضع داخل هذه الكرة الصلبة مختلف أنواع الحجارة والأتربة والماء، ونجعلها تدور بسرعة كبيرة مقاربة لدوران الأرض. عندها سنجد الماء بداخلها يبحث عن طريقه للتجمع ثم للبحث عنوة عن منافذ وقنوات بين الأحجار والصخور للتوجه الى سطح الكرة للخروج من خلال فتحات الأنابيب المرتفعة، بينما لا يخرج من الفتحات السطحية إلا الشيء اليسير.
وهذا ما يحصل بالضبط لمياه الأمطار الساقطة على سطح الكرة الأرضية، فهي تتغلغل داخل التربة لتتجمع بكميات كبيرة ثم لتسير بقوة الطرد المركزي في ممرات مائية تكونت خلال عمر الأرض داخل طبقاتها منتظرة فرصة الوصول الى أعلى الفتحات على سطح الأرض في قمم الجبال لتخرج منها.
وهذا ما يفسر أيضا، صفاء هذه المياه ونقاوتها، فسريانها واختراقها ولمدد ومسافات طويلة في مختلف أنواع التربة والصخور بقوة وعنف، يساهم بشكل فعال في ذلك، بينما تبقى مياه الثلوج الذائبة من قمم الجبال غير نقية، لما تجرفه معها من شوائب وأتربة.
من هذا يمكن الاستنتاج أنه كلما زادت كمية الأمطار على سطح الأرض، كلما زادت نسبة مياه الأنهار، فهي في علاقة طردية. فنتسائل: ما الذي يسبب الفيضانات المدمرة؟
لو استقرأنا تاريخ البشرية، لن نجد لقرنها الحالي هذا شبيها على الاطلاق. فلقد دخلت عصر الاختراعات والصناعات، حيث المصانع الضخمة والشركات العملاقة والمعامل الجبارة واستعمال الطاقة الكهربائية المذهل وتجارب القنابل النووية وما يستعمل في شتى أنحاء الأرض من ملايين المركبات والسيارات والطائرات وغيرها من الأدوات والأجهزة المنتجة للحرارة والطاقة، هذا بالاضافة الى زيادة أعداد البشر بشكل هائل.
كل هذا مجتمعا ساهم في ارتفاع درجة حرارة الأرض ومن ثم زيادة نسبة تبخر مياه البحار والمحيطات وذوبان ثلوجها المتراكمة منذ آلاف السنين في قطبي الأرض، الذي ساهم بدوره في زيادة نسبة كمية الأمطار المتساقطة، مصدر مياه الأنهار الأساسي.
إضافة الى ما تساهم به الهزات الأرضية وتفجر البراكين ـ التي ارتفعت نسبتها في العقود الأخيرة ـ من توسيع أو فتح قنوات جديدة في طبقات الأرض لمرور كميات أكبر من المياه الجوفية لأراضي جديدة.
لهذا.. فمن المؤكد أن أخطار الفيضانات ستزداد وستستمر بدرجة أكبر مما هي عليه اليوم طرديا حتى تتناسب مع ارتفاع درجات حرارة الأرض المستمرة.
وهذا ما يفسر بشكل واضح فيضان أنهر في دول لم يسبق لها أن تعرضت للفيضانات من قبل.
كل هذه الأسباب والنتائج تقع بالضرورة على عاتق علماء البيئة والمهتمين بظروف تحسين مناخ الأرض ومعالجته، ولن يتأتى ذلك، إلا من خلال الشعور بالمسؤولية الكبيرة لحكومات وشعوب الأرض وضرورة تعاونها وتكاتفها لإعادة التوازن الحراري على معمورتهم، وإلا فالسنين القادمة ستكون أقسى وأشد وأدهى على أجيالنا القادمة.