السلام عليكم و رحمة الله وبركته, أنا طالب جامعي سنة أولى حقوق ببن عكنون (الجزائر) من فضلكم أريد ما تيسر من محاظرات ودروس المتعلقة بالمجموعة (د) وشكراااااااااااااااااااااا على المجهودات المبذولة في هذه المنتديات . ربي يحفظ كل من شارك عن بعيد كان أم عن قريب في هذا.
مساعدة من فظلكم
اخواني ساعدوني في البحث عن مذكرة بعنوان مظاهر التجديد في شعر ابراهيم ناجي أرجوكم زملائي ساعدوني
أخواني ساعدوني من فضلكم اريد عناوين لمذكرات تخرج في الادب العربي
وارجواان اجد استاذ يساعدني في انجاز مذكراتي
وساكون ممتنى لكم مع تمنياتي بقبول طلبي
أخواني ساعدوني من فضلكم اريد عناوين لمذكرات تخرج في الادب العربي
وارجواان اجد استاذ يساعدني في انجاز مذكراتي وساكون ممتنى لكم مع تمنياتي بقبول طلبي |
ما هو عنوان مذكرتك
سيكون سهلا لو أن كل عضو يضع لنا العنوان أو اسم الأطروحة لكي يسهل البحث و المساعدة
طريقة ومكونات البحث العلمي
السلااااااااااااااام عليكم ورحمة الله وبركاااااته
هذه بعض النقط الضرورية لانشاء بحث ناجح
انها اختصارات لما يجب ان يحوز عليه البحث العلمى من مكونات وتسلسل وطرق الطرح ،لعل هذا الموضوع يساعد الطالب فى طرحه لبحثه مع تمنياتى بالنجاح لكل باحث
مكونات البحث العلمي
إن أي بحث علمي يتكون من الأجزاء التالية : المقدمة – المتن – الخاتمة و الفهارس و الملحقات و نبين في المباحث التالية شرحا لكل جزء من هذه الأجزاء.
المبحث الأول : مقدمة البحث العلمي :
تعتبر المقدمة المدخل العام لموضوع البحث بجميع جوانبه و الهدف منها تمكين القارئ من الإلمام بالمحاور الأساسية للبحث أو المؤلف و الإشكالية التي يعالجها الباحث أو الكاتب و الهدف من البحث و المنهجية التي اعتمد عليها في بحثه و الفرضيات التي يصفها لحل إشكالية البحث .
و يشترط في المقدمة أن تكون وجيزة و مركزة و واضحة و دقيقة تعكس بموضوعية مضمون البحث و تمكن القارئ من الإطلاع على الفكرة الرئيسية و العناصر الهامة التي تناولها الباحث .
و يجب أن تتضمن المقدمة العناصر التالية :
1 – موضوع البحث : عرض شامل لطبيعة الموضوع أو المشكلة محل الدراسة و تحديد مجالها و ذلك بصورة دقيقة و مركزة .
2- إشكالية البحث : تعد إشكالية البحث بمثابة الجهاز العصبي للإنسان أو قمرة القيادة بالنسبة للطائرة و تتوقف جودة البحث على مدى دقة و جودة الإشكالية .
و الإشكالية هي الفكرة الرئيسية التي تنطلق منها الباحث و التي تتمحور حول السؤال أو الأسئلة الرئيسية التي ينطلق منها الباحث لوضع فرضياته التي يراها كحل للإشكالية و تجيب على تلك الأسئلة حتى لا يخرج عن الموضوع الذي يبحث فيه.
و الإشكالية بتعبير آخر هي سؤال مطروح يتطلب حلا أو هي مسألة علمية أو نظرية لا يوجد لها حل و يعرفها الجرحاني في التعريفات "المشكل ما لا ينال المراد منه إلا بتأمل بعد الطلب" . و إشكالية تكون أولية يضعها الباحث و يبني عليها فرضياته و خطة بحثه و عندما يجمع المادة العلمية و يبدأ في تمحيص و دراسة موضع البحث قد يبدو له أنها بحاجة إلى تنقيح أو تعديل أو إضافة فيقوم بذلك و يدقق الإشكالية فتصبح نهائية .
3- الفرضيات : ذكر الفرضيات العلمية النهائية التي تعتبر حلا لإشكالية البحث أو المشكلة العلمية محل الدراسة و البحث العلمي .
4- مبررات البحث و هدفه : بيان المبررات و الأسباب الذاتية و الموضوعية التي جعلت الباحث يختار موضوع الدراسة و بيان الأهداف المتوخاة من البحث و مدى فائدته في إطار حركة البحث العلمي و على المستوى التطبيقي مدى أهمية النتائج المتوصل إليها في حل المشاكل التي يتناولها الباحث و فائدته على المجتمع أو المؤسسة و يكون ذلك بصيغة واضحة و دقيقة و وجيزة .
5- تقتضي الأمانة العلمية من الباحث أن يشير إلى البحوث و الدراسات السابقة التي تناولت الموضوع كله أو جزء منه مع الإشارة إلى الجوانب و النقاط التي لم تركز عليها تلك الدراسات و ذلك لبيان أن البحث يرمي إلى ابتكار جديد أو تصحيح أخطاء سابقة أو استكمال جوانب ناقصة في الموضوع لم تدرس دراسة شاملة و مستوفية مع ذكر المراجع و المصادر التي تتضمن تلك البحوث
6- الإشارة إلى المعوقات و الصعوبات التي اعترضت البحث سواء في مجال الحصول على المصادر و المراجع أو المتعلقة بتمويل عمليات البحث أو تلك المتعلقة بالوصول إلى مصدر المعلومات و غيرها من العراقيل و المثبطات و ما هي الطريقة التي استعملها الباحث لتجاوز تلك الصعوبات مما يبين مدى البحث الذي بذله في بحثه .
7- الإشارة إلى المنهجية التي اعتمدها الباحث في دراسة موضع بحثه كاستعماله لدراسة عينة أو دراسة مسحية أو مقابلة شخصية أو أي منهج سلكه هل المنهج التجريبي أم الاستدلالي؟ و هل استخدم وسيلة التحليل و التركيب و الاستنباط و الاستقراء ؟ مع مراعاة مدى تلائم المنهج الذي اختاره مع طبيعة موضع البحث .
8- عرض خطة البحث أي الإشارة إلى تقسيم البحث إلى أبواب و فصول و مباحث مع ذكر الفكرة التي يتناولها كل باب و فصل و مبحث أي الفكرة التي تتجسد من خلال العناوين.
و يلاحظ أن المقدمة لا يجب أن تكون طويلة بين 4و8 صفحات و ترقيمها يكون بالأحرف الهجائية وفق الأبجدية التالية أبجد – هوز- حطي كلمن – سعفص – قؤشت – ثخذ – ضضغ).
المبحث الثاني : المتن و الخطة .
يقصد بمتن البحث الجزء الرئيسي و الأكبر منه و هو الجزء الذي يتضمن الأبواب و الفصول و المباحث التي تحتوي على الأفكار الرئيسية و الفرعية و الكلية و الجزئية للبحث و كذا مناقشة تلك الأفكار و نقدها و تمحيصها بين الآراء و ترجيح ما يراه الباحث أقرب إلى الصحة و الموضوعية .
و يراعى في صياغة متن البحث الالتزام بقواعد الصياغة و قواعد النحو و الصرف و التنقيط و التهميش و الالتزام بقواعد الإقتباس و تحليل الأفكار و مناقشتها و عرضها تبعا للتسلسل المنطقي مما يسهل قراءتها و الاستفادة منها .
خطة البحث
: تقسيم و تبويب متن البحث .
تعتبر خطة البحث بمثابة الهيكل اعظمي للإنسان أو الخطة الحربية بالنسبة للقائد العسكري أو التصميم للمهندس المعماري ، و وضع خطة البحث أي تقسيم الأفكار الرئيسية و الفرعية تبعا لمنهج يعتمده الباحث في بحثه.
ووضع الخطة وتبويب وتقسيم الأفكار يكتسي أهمية بالغة إذ يعطي للبحث شكله الخارجي و يوضح العناوين التي تبرر مضمونها من الأفكار التي يضمنها البحث بحيث يكون حال الباحث كحال التاجر الذي يجهد نفسه في تنسيق و عرض بضاعته بشكل جميل يجذب انتباه الزبون.
قواعد تقسيم البحث:
من القواعد الأساسية في تقسيم أفكار البحث قيام الباحث بتجزئة الفكرة الرئيسية التي هي أساسا تلك التي تتضمنها إشكالية البحث بطريقة منهجية و تسلسل منطقي للأفكار.
و قبل تقسيم البحث على الباحث أن يراعي ما يلي :
– القراءة المتعمقة و المتفحصة لكل المعلومات التي يتضمنها البحث .
– الاستفادة من خطة و تقسيمات لبحوث علمية جيدة لمؤلفين و كتاب كبار و يحبذ أن تكون لمؤلفات تتناول موضوعات قريبة و مشابهة لموضوع الباحث .
– من الضروري أن يكون تقسيم البحث تحليليا و متسلسلا تسلسلا منطقيا و ليس تجميعا لأفكار لا صلة و لا ترابط بينها .
– تجنب التكرار و التداخل سواء في عرض الأفكار و العناوين .
– مراعاة التوازن و التقابل بين الأبواب و الفصول و المباحث .
– مراعاة غزارة الأفكار و حجم البحث عند تقسيمه.
طريقة التقسيم :
إن الأجزاء التي يقسم إليها البحث تتمثل في التالي :
1- الكتاب أو الجزء : و يقسم الموضوع إذا كان يتناول موضوعا واسعا و متشبعا يتطلب تفصيلات لا يسعها كتاب واحد.
2- الباب: يقسم الكتاب أو الجزء إلى بابين أو أكثر بحيث يتناول كل باب فكرة محورية يمكن تجزئتها إلى أفكار فرعية
. 3- الفصل : هو الجزء الذي يتفرع إليه كل باب حيث يقسم الباب إلى فصلين أو أكثر
. 4- المبحث : يقسم الفصل إلى مبحثين أو أكثر .
5- المطلب: يقسم المبحث إلى مطلب أو أكثر.
6- الفرع: يقسم المطلب إلى فرعين أو أكثر.
7- البند أو الفقرة: و يتضمن الفكرة الجزئية التي لا يمكن تقسيمها إلى أفكار جزئية .
و يمكن الاكتفاء في التقسيم بالفصول والمباحث والمطالب وهذا هو المعمول به في البحوث المنجزة على مستوى دورة القيادة والأركان و مذكرات التخرج وحتى رسائل الماجستير .
أما في رسائل الدكتوراه فيجب أن تتضمن الرسالة الأبواب والفصول والمباحث و المطالب .
و من الناحية المنهجية فيكون صحيحا اكتفاء الباحث بتقسيم موضوع بحثه إلى عدة فصول و مباحث
كما يجوز تقسيم البحث إلى أجزاء يحمل كل جزء رقم و يقسم ذلك الرقم إلى أجزاء تحمل بدورها رقما آخر،هذه الطريقة في التقسيم هي الأكثر اعتمادا وترتكز على تقسيم الفكرة الرئيسية التي يشملها عنوان البحث إلى فكرتين أو أكثر تبعا لطبيعة وغزارة المادة العلمية ،وهناك اتجاه آخر لتقسيم البحوث يتسم بالمرونة ويعطي أولوية للمعلومة والمادة العلمية أكثر من العناية بالشكل ويقوم على تقسيم البحث إلى فصول ومباحث ومطالب تبعا لترتيب معين بحيث تخصص فصل لكل فكرة رئيسية للموضوع ينقسم إلى مباحث ومطالب.
وأحيانا يستغني عن الفصول والمباحث وتوضع أرقام كبيرة لكل نقطة أو فكرة من الموضوع فلو أراد الباحث أن يقسم موضوعه إلى أربعة محاور فيرقم هذه المحاور (4.3.2.1) ويقسم المحور 1 إلى أجزاء يحمل الأرقام (1 – 1 ، 1 – 2 ، 1 – 3) وإذا تضمنت الفكرة 1 – 1 أجزاء تقسم إلى 1-1-1 ، 1-1-2 و هكذا.
1 .المبحث الثالث : تهميش البحث.
إن تهميش البحث من مقتضيات الأمانة العلمية والموضوعية التي يجب أن يتحلى بها كل باحث، وفي هذا المبحث نستعرض الهدف من وضع الهوامش وترقيم الهوامش وكيفية وضعها.
أولا : لماذا نستخدم الهوامش؟
إن أي بحث علمي أو أكاديمي لا يخلو من الهوامش ، فالباحث عندما يقوم بجمع المادة العلمية ويعرض أفكاره يجد نفسه مضطرا للاستعانة بأفكار غيره عن طريق الاقتباس سواء لتأييد وجهة نظره أو بيان أوجه التقصير في أفكار غيره أو نقدها أو شرح تلك الأفكار وفي كل الأحوال عليه أن يشير إلى المصادر و المراجع التي استقى منها تلك الآراء والأفكار.
ويستهدف الباحث من وضع الهوامش ما يلي :
ثانيا : 1- الإشارة إلى المصدر أو المرجع الذي اقتبست منه الفكرة أو النص.
2- إثراء البحث بذكر مراجع إضافية تؤيد أراء وأفكار الباحث أو تخالفها.
3- شرح متمم لفكرة مجملة وردت في صلب البحث.
4- شرح بعض المصطلحات الصعبة التي يمكن أن يلتبس على القارئ فهمها أو مصطلح تفرد الباحث بوضعه وأراد منها دلالة معينة.
5- التعريف بشخصية مجهولة على الرغم من أهميتها أو أهمية الأفكار التي أنتجتها أو التعريف ببلدة أو مكان غير معروف
. 6- تخريج الآيات القرآنية أي ذكر رقمها وسورتها وذكر الأحاديث النبوية وتحقيقها إذا تعلق البحث بموضوع في مجال العلوم الشرعية.
7- الإحالة الداخلية أي إرجاع القارئ إلى موضوع من البحث تعرض لنفس الفكرة بالمزيد من التفصيل والبيان.
8- التنويه بفضل من قدم للباحث اقتراحا أو مساعدة أفادته في تصحيح خطأ أو شرح فكرة أو رأي. ترقيم الهوامش وكيفية وضعها.
توضع الهامش في ثلاثة أماكن أو مواضع من البحث :
والطريقة المعتمدة والسهلة هي الطريقة الأولى فأغلب الباحثين والأكاديميين يستخدمون التهميش أسفل الصفحة.
2- في نهاية كل فصل يقوم الباحث بوضع نفس الترقيم من بداية الفصل إلى آخره ثم يجمع كل الهوامش في نهاية الفصل هذه الطريقة تستخدم غالبا في المحاضرات والمجلات المتخصصة التي تتضمن المقالات العلمية أو البحوث المختصرة. 3- في آخر البحث يقوم الباحث باعتماد ترقيم واحد من أول البحث إلى آخره ثم يجمع الهوامش في آخر البحث 1- أسفل الصفحة حيث يتم وضع رقم أو أكثر في نهاية الجملة أو الفقرة يحيل إلى الهامش الذي يحمل نفس الصفحة أي أن كل صفحة تحمل ترقيما مستقلا عن الصفحات الأخرى.. طريقة الإحالة :
يقوم الباحث بإحالة القارئ على الهوامش باستخدام الأرقام العددية أو النجوم أو الحروف الأبجدية ويحبذ أغلب الباحثين استعمال الأرقام وهي الطريقة التي يوصى باعتمادها في البحوث
وتتم كتابة المرجع في الهامش على النحو التالي :
– اسم المؤلف ولقبه تليها فاصلة،
– عنوان الكتاب ويكتب بخط بارز أو مخالف.
– رقم الطبعة (إن كانت موجودة) يليه فاصلة منقوطة ؛
– مكان النشر أي البلد والمدينة حيث نشر الكتاب يليه نقطتان رأسيتان (
– اسم دار النشر تليها فاصلة،
– سنة نشر الكتاب.
– رقم الجزء.
– الصفحة.
المبحث الرابع : الخلاصة (الخاتمة):
بعد الفراغ من إنجاز البحث يعمد الباحث إلى تلخيص أهم ما جاء فيه من الأفكار بحيث يعرض بإيجاز المحتوى الكامل للبحث، الخلاصة لا تتضمن معلومات جديدة لم يتعرض إليها البحث ويجب أن تكون الخلاصة إجابة لمن يسأل عن مضمون المشكلة التي يتناولها البحث بحيث تتضمن النقاط الأساسية للدراسة دون الخوض في تفاصيلها.
والهدف من الخلاصة هو الإخبار بما تم إنجازه في الدراسة والحقائق الجديدة التي اكتشفها دون التعرض للتوصيات ، فالدراسة تكون شاملة وتهدف إلى إيجاد حل للمشكلة التي تناولها الباحث ويسعى لإيجاد حل ملائم لها، أما التوصيات فلا تعتبر إضافة للمعرفة . بل هدفها كيفية استخدام المعرفة أو المعلومات التي تم التوصل إليها.
وهناك من يسمي "الخلاصة" خاتمة ولكن المعنى واحد وأهم النقاط التي تتضمنها الخلاصة :
1- عرض مركز للعمليات والمراحل التي قام بها الباحث لإنجاز بحثه.
2-عرض موجز للنقاط الأساسية للبحث أو الدراسة.
3- عرض للمشاكل والعراقيل التي اعترضت الباحث وكيف تم التغلب عليها.
4- حوصلة مركزة وموجزة للنتائج والحقائق التي توصل إليها الباحث.
ويجب التنبيه هنا إلى أن خلاصة البحث تختلف عن المستخلصات العلمية التي يتم إعدادها من طرف مختصين للبحوث العلمية وبراءات الاختراع والابتكارات في مجال إعلام الجمهور بتلك البحوث والتي تنشر عبر وسائل الإعلام أو الانترنيت أو المجلات المتخصصة فهذه المستخلصات هي عبارة عن وثائق مركزة تستخدم في إعادة المادة الببليوغرافية في مواضيع مختارة لاستعراض المادة العلمية من المصادر الرئيسية والتقارير وهي تمثل حلقة وصل بين المؤلف أو المخترع وبين المستخدم والجمهور.
1 المبحث الخامس : توثيق البحث (الفهارس)
تتوقف جودة البحث العلمي وأهميته على المراجع والمصادر التي اعتمد عليها الباحث.وفهرس المراجع المقدمة وفهرس المواضيع هي أجزاء البحث التي يطلع عليها القارئ في البداية ومن خلالها يتكون لديه الانطباع عن مدى أهمية البحث وجديته. ويمكن فهرس المصادر والمراجع القارئ من التوسع في موضوع البحث إذا كان راغبا في ذلك.
والفهارس التي تكتب في نهاية البحث تشمل:
1- فهرس المصطلحات (وهناك من الكتاب من يدرجها في المقدمة)
. 2- فهرس المصادر والمراجع.
3- فهرس المواضيع (أي محتويات البحث – مع ملاحظة أن هذا الفهرس يمكن أن يدرج في أول البحث أي قبل المقدمة كما يمكن أن يدرج يعد فهرس المراجع)
. 4- فهرس الملاحق.
5- الملاحق والرسومات والخرائط
.كيفية تنظيم المصادر والمراجع : تقسم المصادر والمراجع إلى:
– المصادر والمراجع باللغة العربية.
– المصادر والمراجع باللغة الأجنبية.
وهناك طرق عديدة لتنظيم قائمة المصادر والمراجع وأهم هذه الطرق:
1–الترتيب الأبجدي حسب أسماء المؤلفين:(أ ، ب ، ج ، د ، ه ـ ، و ، ز ، ح ، ط ، ك ، ل ، م ، ن ، س ، ع ، ف ، ص ، ق ، ر ، ش ، ت ، ث ، خ ، ظ ، ض ، ط ،ع )
(أبجد –هوز – حطي كلمن – سعفص – قرشت – ثخذ – ضظع
2- الترتيب الألفبائي لأسماء المؤلفين (أ ، ب ، ت ، ث ، ج ، ح ، خ ، د ، ذ ، ر ، ز ، س ، ش ، ص ، ض ، ط ، ظ ، ع ، غ ، ف ، ق ، ك ، ل ، م ، ن ، هـ ، و ، ي).
– 3 تصنف المصادر والمراجع حسب الموضوعات التي تعالجها مثال الكتب الإسلامية – الكتب القانونية ، كتب الثقافة العامة.
4– الترتيب حسب نوع المصدر أو المرجع ويكون ذلك كالتالي:
– المستندات العامة (الدستور – التقنيات مثل قانون العقوبات – قانون الإجراءات الجزائية)
– الكتب.
– الدوريات المتخصصة.
– الدوريات العامة.
– التقارير.
– الأبحاث والرسائل غير المنشورة (رسائل الماجستير – رسائل الدكتوراه ).
– المصادر الأخرى.
وهناك من الباحثين من يدرج قائمة المصادر والمراجع في آخر كل فصل ولكن الطريقة الأكثر شيوعا والتي يستعملها أغلب الباحثين هي إدارج فهرس المصادر والمراجع في آخر البحث.
تم بحمد الله
شكرا ندوش على المعلومات التي ساعمل بها
جعلها الله في ميزان حسنات بارك الله فيك
بارك الله فيك علي هده النقط المفيدة يا اختي والله انا كنت ابحت علي متل هده المعلومات
بارك الله فيك ودمت بالف خير
وصحي عيدك
السلام عليكم من فضلكم اريد اجتياز مسابقة الماجستروما بقيت الا ايام قليلة وبعض المقاييس لم اتعرف عليها الاقتصاد العام فهل يعني اقتصاد جزئي+كلي او مدخل الى الاقتصاد
و مقياس نظرية المنظمات على ماذا يحتوي اذا ممكن محاضرات او كتب عن هذه المقاييس وكذلك مراقبة التسيير و الاستراتيجية
السلام عليكم من فضلكم اريد اجتياز مسابقة الماجستروما بقيت الا ايام قليلة وبعض المقاييس لم اتعرف عليها الاقتصاد العام فهل يعني اقتصاد جزئي+كلي او مدخل الى الاقتصاد
و مقياس نظرية المنظمات على ماذا يحتوي اذا ممكن محاضرات او كتب عن هذه المقاييس وكذلك مراقبة التسيير و الاستراتيجية |
وعليكم السلام ورحمة الله
اقتصاد عام يشمل اقتصاد جزئي كلي نقدي مالية عامة ومالية دولية لكن عامة وليس بالتخصص
بالنسبة للمدخل للاقتصاد العام فهو مختصر جدا
الله يجازيكم أبحث عن الموضوع السالف الذكر في أقرب الآجال و شكرا
الله يجازيكم أبحث عن الموضوع السالف الذكر في أقرب الآجال و شكرا
|
ماذا تعني بالنواقل
إذا كنت تقصد النواقل في مادة الفيزياء فيمكنك طلب ذلك في القسم الخاص بذلك لأن هذا المنتدى يخص الطلبة الجامعيين
ستنطلق التسجيلات الجامعية الأولية للناجحين الجدد في شهادة البكالوريا لسنة 2022 من يوم 12 إلى غاية 17 جويلية، حيث سيتم افتتاح موقع الأنترنت الخاص بالتسجيلات الجامعية خلال هذه الفترة، حيث يقوم الطالب بملء بطاقة الرغبات وتصنيفها وترتيبها ترتيبا تنازليا، وتدوين كافة المعلومات المطلوبة منه والتأكد من إرسال بطاقة رغباته ونسخها، وبداية من 18جويلية تنطلق عملية تأكيد التسجيلات الأولية أو تغيير بطاقة الرغبات التي أرسلت له، وتستمر العملية إلى غاية 22 جويلية 2022 .
موقع التسجيلات الجامعية 2022 للناجحين في شهادة البكالوريا دورة 2022
http://orientation.esi.dz
شكككرا لك أخي حيدر على هذه المعلومات
لكن الرابط لا يعمل لا أدري ماهو السبب
و شكرا
فعلا الموقع لم يفعل بعد لأن فترة التسجيلات لم تبدأ لكن الإنطلاق الفعلي لهذا الموقع الفرعي التابع لموقع esi.dz سينطلق يوم 12 جويلية أو ليلتها
بالتوفيق
أليس البوم 12 جويلية ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فعلا الموقع لم يفعل بعد لأن فترة التسجيلات لم تبدأ لكن الإنطلاق الفعلي لهذا الموقع الفرعي التابع لموقع esi.dz سينطلق يوم 12 جويلية أو ليلتها
بالتوفيق |
شكرا على التوضيح أخي حيدر
guys this site doesn’t work
السلام عليكم ساجاوب عن الموضوع الذي طرحته سابقا .اذا فتاريخ اجراء مسابقة الماجستير للسنة 2022/2011 قي العلوم الاقتصادية و التسيير و العلوم التجارية هو يومي 14 و 15 اكتوبر المقبل اما التسجيلات فلقد بدات يوم 04/09/2011 .لمن يهمه الامر قاعة التسجيلات هي القاعة 6 الخاصة بالماجستير اما عن الملف الواجب تكوينه هو كالتالي :
-طلب خطي عليه احدى التخصصات
– نسخة من شهادة البكالوريا
-نسخة من شهادة الليسانس
-كشف النقاط للسنوات الاربع
-شهادة الميلاد
-ظرفين بريديين عليهما طابع
-صورة شمسية .
مع احر تحياتي
الا يمكن ان اعرف الاختصاصات واقصى حد للتسجيل
ماهو الاستاذ الفعال
السلام عليكم اريد مساعدة ما هو الاستاذ الفعال
الاستاذ الفعال هو الذي يعرف كيف يتحكم في التلاميذ بحيث وجب عليه لعب دور الاب و المعلم في نفس الوقت
أن يكون أبا لتلاميذه ومعلما لهم وان لا يخفي عليهم شيئ وشكرا
عفوا لكن ال"ما" تستعمل لغير العاقل و الاصح ان نكتب من هو الاستاذ الفعّال ؟
برأيي الاستاذ الفعال هو الذي يدفع التلاميذ نحو العمل كالبحث الاستنتاج و الربط بين المعلومات وما الى ذلك
من فضلكم ســـــــــــــاعدوني في مذكرتـــي أرجــــــوكم
أثر المراجعة و التدقيق في تسيير المخزونــــــــــــــــــــات:cla p:
من فضلكم ســـــــــــــاعدوني في مذكرتـــي أرجــــــوكم
أثر المراجعة و التدقيق في تسيير المخزونــــــــــــــــــــات:cla p: |
http://www.4shared.com/rar/jOR_oOD3/_______.html
http://www.4shared.com/rar/gpo_6407/______.html
السلام عليكم عندي بحث حول الاستعمال العدولي في القران الكريم
في مقياس علم الدلالة السنة الثانية جامعي تخصص ادب :c lap:
***64831; قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ***64830; قرآن كريم [الإسراء: 88].
((إنَّ هذا القرآن مأْدبة الله، فاقبلوا مأْدبتَه ما استطعتُم))، حديث شريف.
المقدمة:
إنَّ إثارة الظاهرة الأسلوبيَّة للقارئ أو السَّامع – والعدول أحد مظاهرها – إنَّما تنبثِق عن المفاجأة التي يحسُّها من انحراف تلك الظَّاهرة عن سياقها اللُّغوي في بنْية النَّصّ، و"الأسلوب العدولي" يتَّسع ليشمل كلَّ تحوُّل أو انحراف في نسق التَّعبير لا يتغيَّر به جوهر المعنى، أو "البنية العميقة له"، على حدّ اصطِلاح التَّحويليِّين.
هذا التحوُّل أو الانحِراف عن النَّسَق المثالي للتَّعبير يحْدِث نوعًا من الإثارة لدى المتلقِّي؛ نتيجة التضادّ النَّاجم عن الاختلاف الحادث من اختراق النظام، وهو اختلاف غير متوقع لدى القارئ؛ لذلك يحدث لديه لونًا من المفاجأة والاستِثارة.
والذي يجب أن ننبِّه إليه أنَّ "العدول" عن الأصل تولُّد ذاتي في اللغة، يرتبط بتولُّد الأفكار وتشعُّبها وتحاورها وتجادلها، وأنَّه لا يُحكم بشرعيَّة "العدول" إلا إذا أضاف فضلاً ومزيَّة.
وقد أشار أهل العلم – لغويون ونحاة ومفسِّرون وبلاغيون – إلى بعض ومضاته الكاشفة، كابن جنِّي والزمخشري وابن الأثير والعلوي وغيرهم، ممَّا يدلّ على أصل الفكرة في التراث، ومن هنا كان منطلقنا في البحث.
وفي الوقت نفسه لَم نُهمل الاستعانة ببعض المقولات والأفكار المحدثة للرَّبط بين التراث والمعاصرة، وإيمانًا منَّا بأنَّ الحاضر ينبغي أن يغير من الماضي بقدر ما يوجِّه الماضي الحاضر.
وهناك – أيضًا – جهود معاصرة لبعض الباحثين الروَّاد في هذا الموضوع، منها:
"العدول" أسلوب تُراثي في نقْد الشعر، للدكتور مصطفى السعدني، وهو عن دراسة العدول في الشعر، لا في النص القرآني.
وبحث آخر بعنوان: فكرة "العدول" في البحوث الأسلوبية المعاصرة لعبدالله صولة، تناول فيه الباحثُ آراء النقاد من أصحاب الأسلوبية المعاصرة في العدول في الشِّعر خاصَّة.
وثمة بحث آخر بعنوان "أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية"؛ للدكتور حسن طبل، أصَّل فيه لظاهرة الالتفات في التُّراث البلاغي، وربط بين الظَّاهرة ومعطيات علم الأسلوب، وذكر بعض المواطن القرآنيَّة التي وقع فيها التفات، وحلَّلها تحليلاً جيِّدًا مستعينًا بكتب التفسير واللغة والبلاغة.
ولا شكَّ أنَّ بحوث هؤلاء الروَّاد كانتْ بمثابة إضاءات استرشدت بها، ولا سيما في التنظير لهذا البحث، كما كانتْ حافزًا على استثمار الجُهد في معايشة النَّص القرآني وتذوُّق ما فيه من أساليب عُدِل فيها عن النَّسق المثالي؛ لأنَّ "الأسلوب العدولي" من الأساليب التي تتَّسع فيها الاحتمالات، وتتنوَّع الأنماط، ولاسيَّما في النَّصِّ القرآني، فهي تندُّ عن الحصر، ولا يحيط بها فَهْم، وليس بوسع باحثٍ واحد أن يوفيَها حقَّها؛ لأنَّ النُّصوص الفذة – وعلى رأسها النَّصّ القرآني – لا يفي جمهورها بحقوقِها عليهم إلاَّ بترافد هِمم القرَّاء على تعاورها بالقراءات المتعددة؛ لكشف ما استتر فيها من جماليات النظْم.
لهذا عقدتُ العزم على الخوْض في هذا الموضوع "الأسلوب العدولي"، وكيفية استثماره في تذوق النص القرآني.
وقد آثرت مصطلح "العدول" لسَعة دلالته عن غيره من المصطلحات المرادفة، ولأنَّنا غالبًا ما نربط بين ظاهرة العدول وعلم الأسلوب في بيان بلاغة النص القرآني، مع الاستعانة بكُتُب اللغة والتفسير والبلاغة.
وقد دعتْ طبيعة البحث أن أقسمه إلى قسمين: قسم للتنظير، وقسم للتطبيق.
تناولتُ في التنظير: مفهوم المصطلح في التراث عند كل من اللغويين والنحاة والبلاغيين والمفسرين، وأتبعت ذلك بمبحثٍ عن أسباب العدول ومقاصده.
وقدَّمت في قسم التطبيق عددًا وافرًا من أنماط العدول وصوره المتعدِّدة، مما وقفنا عليه، وعرضنا لها مع التَّمثيل بالشَّواهد القرآنيَّة المحلَّلة تحليلاًً أسلوبيًّا؛ لإبراز بلاغة العدول وقيمته من خلال تأمُّله في سياقه والاستِعانة بكتب اللُّغة والبلاغة والتَّفسير.
ثمَّ تلا ذلك خاتمة تضمَّنت نتائج البحث وتوصياته.
والله من وراء القصد.
المـؤلِّف
القسم الأول: التنْظير للمصطلح:
توطئة/ مدخل:
درجت العربيَّة في صياغة كلامها على ما يقْتضيه ظاهر الحال من المطابقة والوضوح؛ لتؤدي بذلك معانيَها التي ترد عليها وضعًا واستعمالاً، وقد تعدل عن ذلك الظَّاهر غير عابئة بما تستوجبه سنن المطابقة في التَّعبير وأحكام الصنعة لا اجتراءً ولا عبثًا، بل قصدًا منها إلى إشارة لطيفة أو ملحظ دقيق؛ إذ في هذا العدول يكمن السّرُّ وإليه يكون المصير حين التفْكير فيه للنفاذ إلى كنهه ومرْماه[1].
وإن المتتبِّع لمباحث الأسلوبيَّة يدرك أنَّ من أهمِّ هذه المباحث عمليَّة رصد انحِراف الكلام عن نسقه المثالي المألوف؛ أي: الكلام في المستوى العادي الَّذي يعتمد على النحو التَّقعيدي في تشكيل عناصره.
فنجِد اللسانيِّين يكشفون عن منهجين للأداء اللغوي – وفقًا لأبرز النظريات الدلالية الحديثة – ينهض أحدُهُما على التَّصريح، ويستمدُّ وجوده من المعنى الوضعي للغة، وتتشكَّل ملامح الآخر من الإيحاء المُستشفّ منَ الاستِعمالات الإبْداعيَّة.
ونجد التحويليِّين كتشومسكي – مؤسِّس نظرية النَّحو التحويلي – يُمَيِّز بين مستويين في الجملة هما: "البنية العميقة والبنية السطحيَّة"، فالمستوى الأول هو النمط المثالي التجريدي – المقدر في الذِّهن – للجملة الكاملة الصَّحيحة نحويًّا ودلاليًّا، أمَّا المستوى الثاني فهو الصورة اللغوية المحسوسة – نطقًا أو كتابة – لتلك الجملة، وتلك البنية السطحية هي فرع عن البنية العميقة، وهي في تفرُّعها عنها قد تتَّخذ أشكالاً أو أوضاعًا عديدة، عن طريق إدْخال بعض التحْويلات الاضطراريَّة حينًا، والاختيار حينًا آخَر، على نمطها المثالي في الذهن، ولكن هذه الأشكال أو الأوضاع – وإن تَمايزت من حيثُ القيمةُ الجمالية أو الشحنة التأثيرية – تظلُّ ذات جذر دلالي واحد أو بنية عميقة واحدة[3].
ففي التَّمييز بين هذيْن المستويَين ما يدعم تصوُّر الأسلوب العدولي بوصْفِه اختِيارًا أو استثمارًا وتوظيفًا للطاقات الكامنة في اللغة؛ إذ إنَّه يمكن تحديد هذه الطاقات، وكشف أبعادها عن طريق "أنماط العدول" المتعدِّدة، وبذلك يصبح "الأسلوب العدولي" هو الصورة المنتقاة من بين التحويلات الاختيارية المتعادلة معها دلاليًّا، والتي تعد – من هذه الزاوية – بدائل لها[4].
ويرى رومارشيه: أنَّ الأشكال البلاغية، والأساليب البيانية إنَّما هي طرائق للكلام تبتعد/ تنحرف عن الطريقة الطبيعية/ العادية، فهي تتمثَّل في بعض التحوّلات والأشكال التي تختلف بطريقة ما عن السبل المألوفة والبسيطة للكلام[5].
وكأنَّ الأسلوب العدولي يتحدَّد بانحرافيَّته عن العُرف اللغوي، ويتكشَّف ذلك عند كلّ أديب مُبْدع.
ويُفهم ممَّا سبق أنَّ لديْنا مستويين للغة:
الأوَّل: المستوى المثالي/ المألوف في الأداء العادي/ النمطي، الجاري على السنن المألوف للقاعدة.
الثاني: المستوى المنحرف/ الإبداعي الَّذي يعتمد على انحراف الكلام عن هذه المثاليَّة أو العدول عنها أو تجاوُزها أو انتهاكها[6].
والمستوى العادي/ المثالي هو الَّذي يعتمد على النَّحو التقعيدي في تشكيل عناصره، كما يعتمد اللغة في تنسيق هذه العناصر، وثمرة الترابُط بين ما يقول به النحاة وما يقول به اللغويون ظهور مثالية اللغة في استخدامها المألوف، وهى مثاليَّة افتراضية أكثر منها تطبيقية واقعيَّة.
ولعلَّ هذه النظرة المثاليَّة للأداء هي التي جعلتِ النحاة يُحددون معنى (الكلام) بما يرتبط بالعبارة ظاهرًا أو تقديرًا، فأمَّا القول بظاهر العبارة فهو ما أهمهم رعايةً للسلامة، وأمَّا التقدير فهو جَرْيٌ منهم وراء هذه السلامة، ورعايةٌ لها حفاظًا على مثالية الأداء؛ لذلك تراهم يلجؤون إلى التقدير والحذْف والقول بالزيادة "تصوُّرًا منهم أن التعبير اللغوي – مهما يكن من أمر بلاغته الخاصة، وتفرُّده البياني المطلق – يجب أن يطابق في نهاية الأمر نمطًا معينًا من الأنماط النحوية المحدودة التي يجب أن ينحوَ نحوها القائلون"[7].
وإذا كان النُّحاة واللغويُّون قد أقاموا مباحثهم على رعاية الأداء المثالي، فإن البلاغيين ساروا في اتِّجاه آخر من حيث أقاموا مباحثهم على أساس تجاوز هذه المثالية، أو الخروج عليها والعدول عنها في الأداء الفنّي الَّذي يرتبط بسياقاته المتعدِّدة – اللغوي والموقفي والسببي – وقرائن الأحوال.
إذًا؛ فالعدول عندهم ليس تجاوُزًا للمثاليَّة أو انتهاكًا لها[8] – بتعبير بعض النقَّاد – وإنَّما هو إيثار نسق على آخر، أو صيغة على أخرى، أو تركيب على آخر؛ لما يرون فيه من إيماض يضيء للمتلقِّي دخيلة منشئ الخطاب "مبدع النَّص".
وليس معنى هذا إنكار البلاغيِّين للمستوى المثالي الذي أقامَه النحاة واللغويون، بل نجد منهم – السكَّاكي مثلاً – الَّذي يرى أنَّ النَّحو هو العامل الأساسي في تأدِية أصل المعنى، ومعرفة كيفية التركيب فيما بين الكلِم لتأدية أصل المعنى مطلقًا، بمقاييس مستنبطة من استِقْراء كلام العرب وقوانين مبنيَّة عليها ليحترز بها عن الخطأ في التَّركيب[9].
لذا جعلوه – أي: المستوى المثالي/ القاعدي – الخلفيَّة الوهمية وراء الصياغة الفنيَّة التي يمكن أن يقيسوا إليها عمليَّة العدول في هذه الصياغة.
من هنا كان حِرْص البلاغيين واضحًا على التَّذكير به، والتنبيه إليه، بمقارنة الصورة العدولية بصورة أخرى مقدرة تعادلها دلاليًّا أطلقوا عليها "أصل الكلام" أو "رعاية للأصل" أو "مقتضى الظاهر"، ولكن اعتدادهم بهذا الأصل لا يتجاوز مجرَّد الإشارة إليه؛ لأنَّه يخلو – في نظرهم – من أي قيمة فنيَّة، فإذا كان النحويُّ يهتمُّ بما يفيد أصلَ المعنى، فإنَّ البلاغيَّ يبدأ حركته ونشاطه فيما يلي هذا، مع تركيز النظر والقول على العناصر الجماليَّة[10].
وفكرةُ العدول لها جذورها الوطيدة في تُراثنا العربي في كُتُب القوم، أمثال سيبويه، وابن جني، والزمخشري، وابن الأثير، والسكَّاكي، وغيرهم، وهذا ما سنوضحه فيما يلي في حديثنا عن مفهوم المصطلح في التراث.
[1] "مع القرآن في دراسة مستلهمة" ص 108.
[3] نظرية اللغة في النقد العربي ص 488، وعلم الأسلوب ص 130 – 136، واللغة والإبداع ص 51 – 53، ويُنظر : النحو العربي في ضوء الأبحاث اللغوية الحديثة لولسون بشاي، محاضرات أُلْقيت بكلية آداب القاهرة في 27 /2 /1974 ص 7، 8.
[4] الأسلوبية الحديثة، د/ محمود عياد، مقال في مجلة "فصول"، م1/ ع2، يناير 1981 /1982 م.
[5] علم الأسلوب ص 372.
[6] عقد الدكتور عبدالحكيم راضي فصلاً بعنوان "المثالي والمنحرف"، فصَّل فيه القول عن الانحراف عند اللغويين والنحاة والبلاغيين في كتابة "نظرية اللغة في النقد العربي" ص 191 وما بعدها، وقد قام الدكتور محمد عبدالمطلب بتقديم خلاصة مركَّزة لهذا الفصل في كتابه "بين البلاغة والأسلوبية" تحت عنوان: "العدول" ص 223، وما بعدها.
[7] بلاغة العطف في القرآن الكريم، ص 63.
[8] للعدول اثنا عشر مرادفًا، منها: الانزياح، والانتهاك، والانحراف، وكسر النظام، … إلخ.
يُنظر: الأسلوبية والأسلوب ص (99 – 100)، وبلاغة الخطاب وعلم النَّص، ص (54 – 69).
[9] مفتاح العلوم ص 32.
[10] نظرية اللغة في النقد العربي ص 206، 207.
تلوينات العدول في الجملة القرآنية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
أينما وُجِدَ العدول في التعبير اللغوي وُجِدَ التركيب الفني والجمالي ، فما العدول في حقيقته إلا اللغة في بنيتها السطحية ( الفنية ) ، مبتعدة في اتجاه مضاد لمستوى البنية العميقة ( المعيارية ) ، التي هي أصل بنية العدول .
والقرآن الكريم كأثمن نص تعبيري باللغة العربية وظّف هذه البنية العدولية في مبانيه الجملية والتركيبية على أروع نسق ، وأجمل هيئة تعبيرية ، ذلك لأن فنية العدول في القرآن تتسع لتشمل في فضائها ألوان متنوعة تتمثل في :
1- العدول الرتبي ( التقديم والتأخير الرتبي ) .
2- العدول المعنوي ( التقديم والتأخير المعنوي ) .
3- العدول الضمائري ( أسلوب الالتفات ) .
ولذا فالتلوين بالعدول في سياقات التوظيف القرآني للتراكيب يهدف أولاً وقبل كل شيء إلى إثبات فرادة النص الكريم ، وثانياً إلى تثوير الدلالات الجمالية المتولدة عن مثل هذا العدول . ولنحاول الآن الوقوف مع كل لون من هذه الألوان العدولية من خلال السياقات القرآنية ، محاولين تلمس جماليات التوظيف النصي في هذه السياقات .
أولاً : العدول الرتبي ( التقديم والتأخير الرتبي )
أصبح من المسلم به أن معنى الجملة ليس هو مجموع معاني المفردات التي تتألف منها ، بل هو حصيلة تركيب هذه المفردات في نمط معين حسب قواعد لغوية محددة ، تماما كما أن الساعة مثلاً ، ليست مجموع القطع المعدنية التي تتألف منها ، وإنما هي آلة تتكون من هذه القطع حسب قواعد معدنية ، لتؤدي وظيفة لا تؤديها أي من القطع وحدها ، ولا تؤديها كل القطع مجتمعة إلا إذا ركبت بطريقة محددة ( ) .
كما أن نسق الجملة وكيفية ترتيب الأجزاء فيها مما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار في أثناء عملية الاختيار البنائي للجملة . يقول الجرجاني : " وإن أردت أن ترى ذلك عياناً فاعمد إلى أي كلام شئت وأزل أجزاءه عن مواضعها وضعها وضعا يمتنع معه دخول شيء من معاني النحو فيها فقل في :
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ
( من نبك قفا حبيب ذكرى منزل ) ثم انظر هل يتعلق منك فكر بمعنى كلمة منها " ( ) . ذلك لأن المعنى إنما يتولد فقط من ترتيب الألفاظ والعبارات ، والمعاني هي معاني النحو بالتقديم والتأخير ( ). ومعنى هذا أن لكل تركيب نظمه وترتيبه ومواقع ألفاظه ، وقد صرح باسكال بأن الكلمات المختلفة الترتيب يكون لها معنى مختلف ، وأن المعاني المختلفة الترتيب يكون لها تأثيرات مختلفة أيضا ( ) .
إن تقديم ما هو متأخر ، وتأخير ما هو متقدم لمناسبة تقتضي ذلك جائز لا مشاحة فيه . وهذا الجواز ليس مجانياً ، بل ما من مقدَّم أو مؤخَّر يُزَال عن موضعه إلا ويترك ظلالاً معنويةً يخالف الوضع الثاني فيها الوضع الأول ، ومن ثم كان تقسيم التقديم إلى مفيد وغير مفيد ، مما أثار حفيظة عبد القاهر فقال : " واعلم أن من الخطأ أن يقسم الأمر في تقديم الشيء وتأخيره قسمين ، فيجعل مفيداً في بعض الكلام وغير مفيد في بعض ، وأن يعلل تارةً بالعناية وأخرى بأنه توسعة على الشاعر والكاتب ، حتى تطرد لهذا قوافيه ولذلك سجعه ، ذاك لأن من البعيد أن يكون في جملة النظم ما يدل تارة ولا يدل أخرى ، فمتى ثبت في تقديم المفعول مثلاً على الفعل في كثير من الكلام أنه قد اختص بفائدة لا تكون تلك الفائدة مع التأخير ، فقد وجب أن تكون تلك قضية في كل شيء وفي كل حال ، ومن سبيل من يجعل التقديم وترك التقديم سواء أن يدعي أنه كذلك في عموم الأحوال ، فأما أن يجعله شريجين فيزعم أنه للفائدة في بعضها ، وللتصرف في اللفظ من غير معنى في بعض ، فمما ينبغي أن يرغب عن القول به " ( ) .
لقد حاول البلاغيون التدليل على اختلاف الدلالات باختلاف التراكيب بالتقديم والتأخير ، واجتهدوا في بيان الفروق الدقيقة بين عبارات أصبحت رائجة في مصادرهم قديمها وحديثها من مثل : ( زيداً ضربتُ ) ، و( ضربتُ زيداً ) ، و( زيدٌ المنطلقُ ) ، و( المنطلقُ زيدٌ ) ، و(جاءَ زيدٌ ضاحكاً) ، و(جاءَ ضاحكاً زيدٌ) . وكان تحليلهم لها مؤذناً بفهم دقيق واعي . فمن ذلك مثلاً تفريقهم بين :
*( زيداً ضربتُ ) ، و( ضربتُ زيداً ) : عبارتان ليستا بمعنى واحد " فإن في قولك : ( زيداً ضربتُ ) تخصيصاً له بالضرب دون غيره ، بخلاف قولك : ( ضربتُ زيداً ) ، وبيانه هو أنك إذا قدمت الفعل فإنك تكون بالخيار في إيقاعه على أي مفعول أردت بأن تقول : ضربتُ زيداً أو عمراً أو بكراً أو خالداً ، وإذا أخرت الفعل وقدمت مفعوله فإنه يلزم الاختصاص للمفعول على أنك لم تضرب أحدا سواه " ( ) .
*( زيدٌ المنطلقُ ) ، و( المنطلقُ زيدٌ ) : وأما قولك ( المنطلقُ زيدٌ ) والفرق بينه وبين أن تقول ( زيدٌ المنطلقُ ) ، فالقول في ذلك أنك وإن كنت ترى في الظاهر أنهما سواء من حيث كان الغرض في الحالين إثبات انطلاق قد سبق العلم به لزيد ، فليس الأمر كذلك . بل بين الكلامين فصل ظاهر وبيانه : أنك إذا قلت : ( زيدٌ المنطلقُ ) فأنت في حديث انطلاق قد كان وعرف السامع كونه ، إلا أنه لم يعلم أمن زيد كان أم من عمرو ، فإذا قلت : ( زيدٌ المنطلقُ ) أزلت عنه الشك وجعلته يقطع بأنه كان من زيد بعد أن كان يرى ذلك على سبيل الجواز ، وليس كذلك إذا قدمت ( المنطلق ) ، فقلت : ( المنطلقُ زيدٌ ) ، بل يكون المعنى حينئذ على انك رأيت إنساناً ينطلق بالبعد عنك ، فلم تثبته ولم تعلم أنه أزيد هو أم عمرو ، فقال لك صاحبك : (المنطلقُ زيدٌ) ، أي هذا الشخص الذي تراه من بُعد هو زيد ( ) .
وقد أثارت محاولات البلاغيين التمييز بين هذه العبارات د. إبراهيم أنيس فقال عن الجرجاني : " وقد حاول عبد القاهر الجرجاني أن يفرق بين مثلين من صنعه هما : (زيدٌ المنطلقُ) ، و( المنطلقُ زيدٌ ) فلقي من العنت والمشقة ما أجهده وأجهدنا معه ، ويظهر أن صعوبة تمييز المسند من المسند إليه في مثل هذه الجمل هو الذي ألجأ عبد القاهر وغيره إلى تكلف الشطط في علاجها . وهذه المزاوجات لا تعدو أن تكون أمر أسلوب إذ لا يكاد المعنى يختلف بتأخير أحدهما أو تقديمه " ( ) .
ولعل د. إبراهيم أنيس حين أصدر حكمه هذا كان واقعاً تحت تأثير التصور النحوي الذي لا شأن له بالدلالات الجزئية ، فالمعنى لا يختلف سواء قدّمنا أو أخّرنا ، بينما يحدث التغيير في الدلالة ذاتها ففي قوله تعالى : ***61533; وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ ***61531; ( ) وجدنا المعنى العام أنهم جعلوا الجن شركاءَ وعبدوهم مع الله ، أما الدلالة فتأتي من وراء الصياغة الإبداعية في التقديم والتأخير ( ) .
ولهذا لم يستطع برجشتراسر أن يقف عند حدود فارقة بين التعبير بالتركيب الفعلي ( جاءَ زيدٌ ) ، و التركيب الاسمي ( زيدٌ جاءَ ) . يقول : " والأقرب إلى الاحتمال هو أن يكون معنى ( زيد جاء ) عين معنى ( جاء زيد ) ، وإنما الفرق بينهما أنه إذا قلت : ( جاء زيد ) أخبرت عن مجيئه إخباراً محضاً ولا يخالطه شيء غيره ، فتقديم الفعل هو العبارة المألوفة ، وإذا قلت : ( زيد جاء ) كان مرادي أن أنبه به السامع إلى أن الذي جاء هو زيد ، كأني قلت : زيد جاء لا غيره . فتقديم الفاعل عبارة عن أن الأهم كون زيد هو الفاعل لا كونه فَعَلَ الفعل ، وما ينبه به السامع على هذا المعنى شيئان :
الأول : تغيير الترتيب العادي ، فكل شيء يخالف العادة هو أكثر تأثيراً في الفهم من المألوف .
والثاني : أن أول كلمة في الجملة هي على العموم المضغوطة في اللغة العربية إذا صرفنا نظرنا عما تبتدئ به الجملة من الأدوات كإن وأخواتها إلى غير ذلك " ( ) .
فبرجشتراسر لم يجد بداً من الاعتراف بهذه الفروق الدلالية الدقيقة وإرجاعها إلى تغيير الترتيب الذي يجعل بداية الجملة مضغوطة معتنى بشأنها ، وهذا الضغط هو ما سماه تمام حسان (المعنى الشأني) أو (البؤري) ( ) ، وهو ما يفهم من تحديد بؤرة الاهتمام بمضمون اللفظ بواسطة التقديم والتأخير .
يمكن أن نستخلص مما سبق أن أي تغيير في النظام التركيبي للجملة يترتب عليه بالضرورة تغير الدلالة وانتقالها من مستوى إلى مستوى آخر ، ومِلاك ذلك كله وتمامه الجامع له – كما ينص عليه البلاغيون ويلخصه القاضي الجرجاني- صحة الطبع وإدمان الرياضة فإنهما أمران ما اجتمعا في شخص فقصرا في إيصال صاحبهما عن غايته ورضيا له بدون نهايته – وأقل الناس حظاً في هذه الصناعة لا يعبأ باختلاف الترتيب واضطراب النظم وسوء التأليف ، ولا يقابل بين الألفاظ ومعانيها ولا يسبر ما بينهما من نسب ولا يمتحن ما يجتمعان فيه من سبب ( ) .
إن اختيار المتكلم لترتيب دون ترتيب باعتبار الظروف والمقاصد التي يريدها ، أي باعتبار نظام القيم ، ينتج عنه كون التقديم أو التأخير من نتائج الاختيار النحوي ، إذ يعود عدد الاختيارات الممكنة إلى بنية اللغة بالذات ، ففي بعض الأحوال لا يكون هناك سوى بديل واحد كتقديم الفاعل أو تأخيره ، فالمتحدث يختار أبنية لغوية تخضع لقواعد نحوية إجبارية في صياغتها لا مفر من اتباعها . وتظل هناك بعد ذلك مجموعة إمكانيات التعبير الاختيارية المتعادلة دلالياً بشكل أو بآخر يستطيع المتحدث أن يمارس فيها اختياراته الأسلوبية ( ) .
وبهذا يكون التقديم والتأخير نمطاً من الأنماط الدالة ، وهو وجه من أوجه الاختيار التي تُؤَدَّى بها المعاني ، وانتقاء بديل من البدائل الأسلوبية المتاحة تمثل مجالاً لتباري المبدعين باعتبار أن هناك ممكنات يختص قوم دون قوم بإدراكها واكتشافها ، فتكون التراتيب اللغوية المناسبة لها ملكاً لأولئك الذين يدركون كيفية استعمالها . وقد رأينا استحسان الجرجاني للتراكيب والتراتيب المنتقاة والتي عمها الحسن من جهة أن قدّمت فيها كلمة وأخّرت أخرى .
العدول في الأسلوب :
لكل أسلوب بياني دوافعه وأهدافه ، ولكل مبدع أسلوبه وطريقته في التعبير ، وإذا كانت بعض المدارس تجعل الأسلوب انتقاءً واختياراً ، وتلزمنا بمعرفة البدائل المتاحة ، تلك التي يعمل المنشئ فيها فكره بالاختيار والاستبعاد . فإن بعض الاتجاهات تحدد الأسلوب بأنه مفارقة أو انحراف أو عدول عن أنموذج آخر من القول ينظر إليه على أنه معيار ( ) . إن مدرسة الأسلوب باعتباره انحرافاً عن النمط تحاول أن تعزف على وتر المفارقة بين البنية السطحية والبنية العميقة خاصة في الحالات التي توصف فيها البنية السطحية بأنها غير نحوية ، إذ يلاحظ أصحاب هذه المدرسة كثرة ورود الجمل غير النحوية في لغة الشعر تلك الجمل التي لا يعود انعدام النحوية فيها أو انحرافها إلى جانب التركيب فحسب ، وإنما قد يكون له جانبه الدلالي أيضاً ( ) .
ولهذا كان بيروسلي يرى " أن الأسلوب هو التفصيل الدلالي ، أو هو الدلالة على نطاق مصغر . أما كيفية التعرف على التفصيل الدلالي من غيره فيحددها بأنها هي التي تعتمد على معيار الانحراف في اللفظ عن القاعدة العامة لتكوينه ونظمه ، فأي اختلاف في النظم يؤدي إلى اختلاف في الأسلوب " ( ) .
إن هذه العوارض والاختلافات التي تقع في بناء الجملة لا تتم بالنظر إلى البنية الأساسية أو الأصل أو القاعدة ، فلولا اعتبار هذه الأمور بالنسبة للتركيب في التحليل النحوي لما وجدنا ما يسمى بالتقديم أو التأخير أو الحذف . وهذان العارضان من أدل الدلائل على أن النحو العربي في تحليله لبناء الجملة كان يراعي الأصل والبنية الأساسية ( ) .
والبنية الأساسية تمثل النسق المحايد الذي يراد به مجرد الإخبار ، وحينما يريد المتكلم أن يجذب انتباه السامع إلى عنصر معين في الجملة ، أو يريد التركيز على عنصر معين لأنه يمثل في نظره زبدة البحث اللغوي ، فإنه يلجأ حينئذ إلى خرق هذا النسق بالانحراف عنه ، لأن لغة الفن لها بديل سابق عليها ، والمستوى الفني لا يقف عند هذا البديل ، بل ربما يدفعه الموقف المعين إلى أن يعدل عن ذلك الأصل بتغيير مواقع الكلم فيه أو بالزيادة أو الحذف . وهو لا يفعل ذلك عبثاً وإنما لينقل إلى السامع دلالة يرى أن أصل الوضع قد لا يفي بأدائها . إن العدول عن الأصل يمثل نوعاً من الخروج عن اللغة النفعية إلى اللغة الإبداعية ( ) .
ومن هنا وجه البلاغيون اهتماماً خاصاً لهذا المبحث ، ورصدوا عوارض بناء الجملة ، واعتبروا التقديم أحد هذه العوارض ، فوضع الكلمة في غير موضعها انحرافاً بها عن الأصل أو القاعدة لداعٍ من الدواعي التي تتغير به الدلالة تغيراً يوجب لها المزية والفضيلة ( ) . إن درجة الوعي في اختيار المتكلم أو المؤلف للمواد التي يوظفها أسلوبياً أو ينحرف عنها تختلف بين قيم تعبيرية لا شعورية تقريباً ، وتتكون من العناصر الاجتماعية والنفسية اللازمة للتعبير ، وبين قيم صياغة واعية ومقصودة شعورياً . يقول د. صلاح فضل : " بيد أنه إذا كان التمييز بين هذين اللونين من الاختيار صالحاً نظرياً فغالباً ما يصعب تطبيقه من الوجهة العلمية ، وهناك بلا شك حالات تتوفر فيها لدينا قرائن كافية للتدليل على أن الاختيار قد تم بشكل واع مقصود . فاللجوء المنظم للأدوات الأسلوبية مؤشر لا يخطئ على النشاط الواعي المقصود " ( ) .
وقد ألح الجرجاني على الوعي بالترتيب ، وجعله شرطاً في ترتيب الكلام ، ووضع الألفاظ موضعها . يقول : " وجملة الأمر أنه لا يكون ترتيب في شيء حتى يكون هناك قصد إلى صورة وصفة إن لم يقدم فيه ما قدّم ولم يؤخّر ما أخر ، وبدئ بالذي ثُنِّيَ أو ثَنَّي بالذي ثَلَّثَ به لم تحصل لك تلك الصورة وتلك الصفة ، وإذا كان كذلك فينبغي أن ننظر إلى الذي يقصد واضع الكلام " ( ) . وعملية الترتيب جزء من عملية الاختيار ، وهي عملية واعية مقصودة ، فمؤلِّف القول يفكر في المعنى الذي يريد أن يصوره ، ويرتب هذا المعنى في نفسه ، ثم يختار النظم المناسب لأدائه ، يُقدّم فيه ما تَقَدَّم في نفسه ويؤخِّر ما تأخَّر فيها .
أسلوبية العدول الرتبي :
يقع مبحث التقديم والتأخير في بؤرة مباحث الأسلوب الدائرة حول التركيب ، ويكتسب هذا المبحث أهمية خاصة من حقيقة أنه يخضع في كل لغة للطابع الخاص بها فيما يتعلق بترتيب الأجزاء داخل الجملة . وهو من الظواهر الأسلوبية الشائعة في القرآن الكريم وذلك لما له من تأثير في المعنى واللفظ معاً ( ) .
وهو مظهر من مظاهر أسلوبية كثيرة تمثل قدرات إبانة أو طاقات تعبيرية يديرها المتكلم إدارةً حيةً واعيةً فيسخرها تسخيراً منضبطاً للبوح بأفكاره . ومواقع الكلمات من الجملة عظيمة المرونة كما هي شديدة الحساسية ، وأي تغيير فيها يحدث تغييرات جوهرية في تشكيل المعاني وألوان الحس وظلال النفس ( ) . فالذي تظهر به المزية في الأساليب " ليس إلا الإبدال – الاختيار- الذي يختص الكلمات ، أو التقديم والتأخير الذي يختص الموقع ، أو الحركات التي تختص الإعراب ، فبذلك تقع المباينة " ( ) .
وقد وصف فندريس البحث القائم على تحديد القيمة الفنية أو الأسلوبية للتغيير في مواقع الكلمات بأنه " في غاية الدقة ، ويتطلب حساً لغوياً مدرباً ولطفاً عالياً في الذوق الأدبي ، يضاف إليها معرفة نادرة بالظروف الفيلولوجية للغة المدروسة " ( ) .
كما أن المعاني التي تكون أسبق وجوداً في الذهن من غيرها – والتي يلزم تقديمها اللفظي بحسب تقدمها الرتبي المعنوي- كثيرة متعددة بحسب تعدد أسبابها الموجبة لها النابعة من أبعادها ومواقعها في النفس ، ولا يعدل بها عن مواقعها ومراتبها التي استحقتها ، إلا إذا اقتضت التجربة الشعورية ذلك لأغراض وأبعاد نفسية معينة . وهذا هو الضرب الثاني من ضروب التقديم والتأخير القائم على أساس تقديم ما حقه التأخير وتأخير ما رتبته التقديم ( ) . فقد يعمد المبدع إلى هذا الضرب من الأسلوب في التعبير ، فيرتب الألفاظ على غير ما يقتضيه ترتيبها ووجودها الذهني ، وذلك من أجل تحقيق أبعاد نفسية معينة تنبع من طبيعة التجربة الشعورية والمعنى المراد نقله ، ومن ظروف وأحوال المقام الذي سيق فيه التخاطب ، مما يحتم على المتكلم تقديم ما حقه التأخير أو تأخير ما حقه التقديم . تقول : ( زيدُ جاءني ) إذا أردت أن تفيد فوق الإخبار بالمجيء ضرباً من الاهتمام بزيد والحفاوة بأمره ، وتوكيد تلك الحقيقة لسامعك لأهميتها ، أو لأنه على حال لا يتوقع مجيء زيد . وما شابه ذلك من تلك الألوان النفسية التي يبوح بها تقديم المسند إليه فإذا قلت : ( جاءني زيدٌ ) انقطع هذا الفيض من الهواجس والخواطر ، وكان الكلام كلاماً مرسلاً يجري في سياق خال من تلك النبضات التي جرى فيها السياق الأول ، لأنك لما زحزحت ( زيد ) ورميت به قريباً من الصدر صار قريباً من رأس الفكرة وبؤرة الاهتمام ( ) .
وكذلك الألفاظ التي تأتي حكماً في صدر الكلام وفي مطلع الجمل فإنها تحمل شحنات أسلوبية معينة ، فهي تشبه المفاتيح الموسيقية التي تكون فاتحة القطعة الموسيقية التي تحدد تنغيمها ( ) . كما إن الترتيبات المختلفة تصنف باعتبار درجتها البلاغية ، وكثيراً ما نقرأ في كتب المتقدمين أن هذا أبلغ من هذا ، وأن هذا القول أبلغ من ذاك ، ونعثر على مثل هذا في كتابات الجرجاني . وغاية الأمر فيه أن هذا الرجل يبين بالاعتماد على النظرية النحوية نجاح اختيار المتكلمين لترتيباتهم وما تبعها من مجازات . يقول الجرجاني متحدثاً عن أبيات البحتري التي يقول فيها :
بَلَوْنَا ضَرَائِبَ مَنْ قَدْْ نَرَى فَمَا إِنْ رَأَيْنا لِفَتْحٍ ضَرِيباً
هُوَ المَرْءُ أبْدَتْ لَهُ الحادِثَا تُ عَزْماً وَشِيكاً وَرَأْياً صَلِيباً
تَنَقَّلَ في خُلُقَيْ سُـؤْدَدٍ سَماحاً مُرَجَّى وَبَأساً مهيباً
فكَالسّيْفِ إنْ جِئْتَهُ صَارِخاً وكالبَحْرِ إنْ جِئْتَهُ مُسْتَثِيباً
( الضرائب : الطبيعة والخُلُق . الضريب : النظير والشبيه . مستثيبا : يطلب الثواب ) .
: " فإذا أنت رأيتها قد راقتك وكثرت عندك ووجدت لها اهتزازات في نفسك ، فعد فانظر في السبب ، واستقص في النظر ، فإنك تعلم ضرورة أن ليس إلا أنه قَدَّمَ وأخَّرَ وعَرَّفَ ونَكَّرَ وحَذَفَ وأَضْمَرَ ، وتوخَّى على الجملة وجهاً من الوجوه التي يقتضيها علم النحو فأصاب في ذلك كله ، ثم لطف موضع صوابه ، وأتى مأتى يوجب الفضيلة " ( ) .
إذن فأسلوبية التقديم أكيدة في العبارة العربية حاضرة في الذوق الأدبي ، تهب الجمال وتنزعه ، وتقوي الحكم وترفعه أو تضعه . يقول الرازي معلقاً على قول إبراهيم بن العباس :
فلو إذْ نَبَا دهرٌ وَأُنْكِرَ صَاحِبٌ وسَُلَِطَ أعْدَاءٌ وغَابَ نَصِيرُ
تكُونُ عَنِ الأهْوَازِ دَاري بنَجْوَةٍ ولكن مَقَاديرُ جَرَتْ وأُمُورُ
: " لم تجد لما فيه من الرونق والطلاوة والحسن والحلاوة شيئاً إلا من أجل تقديم الظرف الذي هو ( إذ نبا ) على عامله الذي هو ( تكون ) وإن لم يقل : فلو تكون عن الأهواز داري بنجوة إذ نبا دهر … وكل ذلك من معاني النحو كما ترى " ( ) . فاختيار تقديم الظرف – من جملة البدائل الأسلوبية المتاحة – هو الذي حقق للشاعر هذا المسلك البديع الذي اكسب عبارته وقعاً وجمالاً .
ومما لا شك فيه أن اختلاف العبارتين يترتب عليه اختلاف في المعنى وفي الحسن . يقول د. تمام حسان : " إذا اختلفت عبارتان وقد أفهمتا معنى واحداً ، فالفرق بينهما منوط بالأسلوب لا محالة ، وأول ما يميز أسلوباً عن أسلوب هو تفضيل طريقة تركيبية على طريقة تركيبية أخرى ، أضف إلى ذلك أن الطرق الأسلوبية تكشف عن الكثير من المميزات المزاجية لأصحابها حتى يمكن من خلال الأسلوب أن نحدد الشخصية " ( ) . ولذلك كان القدماء يوصون المتكلم بأن يجتهد في ترتيب ألفاظه وتهذيبها وصيانتها من كل ما يخل بالدلالة ، ويعوق دون الإبانة ، ولم يريدوا أن خير الكلام ما كان (غفلاً عرياناً ) ، مثلما يتراجعه الصبيان ويتكلم به العامة في السوق ( ) .
علل التقديم وإفادته :
كان الدارسون قبل عبد القاهر يكتفي أكثرهم ببيان أصل العبارة في دراسة التقديم دون أن يحاولوا الكشف عن المعاني الإضافية للنصوص المختلفة بإدراك جانب من العلاقات الداخلية ، فالفراء لا يتجاوز تلك النظرة المحدودة التي تحصر التقديم والتأخير في وضع كلمة موضع الأخرى ، وتبادل مكان الكلمتين فتفسح إحداهما مكانها للأخرى كما يقول في قوله تعالى : ***61533;وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى***61531; ( ) : " يريد : ولولا كلمة وأجل مسمى لكان لزاماً ، مُقَدَّم ومُؤَخَّر " ( ) .
وقد سار على هذا النهج كل من أبي عبيدة في مجاز القرآن ، وابن فارس ، والثعالبي ، دون أن يقفوا على الأسرار البلاغية والدلالية لأسلوب التقديم والتأخير ( ) .
وتناوله ابن قتيبة بقوله : " ومن المقدم والمؤخر قوله تعالى : ***61533;الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً***61531; ( ) أراد : أنزل الكتاب قيماً ، ولم يجعل له عوجاً . ومنه : ***61533; فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ***61531; ( ) ، أي بشرناها فضحكت . وقوله : ***61533; فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا***61531; ( ) ، أي فعقروها فكذبوه بالعقر " ( ) .
إلا أن الكتابات البلاغية تجاوزت بيان أصل العبارة بالنظر في أسباب التقديم ودلالاته ، وتوصل أصحابها إلى أن ما قدّم أو أخّر لا يكون إلا لعلة بلاغية ، وجعلوا علم المعاني مجال درسه وخاصة منه ما يتعلق بتقديم المسند والمسند إليه ومتعلقات الفعل ، وجعلوا لكل قسم عللاً وأغراضاً . فالمسند إليه يتقدم ( ) :
1- لأنه الأصل ولا مقتضى للعدول عنه ، كتقديم الفاعل على المفعول ، والمبتدأ على الخبر .
2- أو ليتمكن في ذهن السامع لأن في المبتدأ تشويقاً إليه .
3- أن يقصد تعجيل المسرة إن كان في ذكره تفاؤل ، أو المساءة إن كان فيه ما يتطير به .
4- أو إيهام أن المسند إليه لا يزول عن الخاطر.
5- أو إيهام التلذذ بذكره .
6- أو تخصيص المسند إليه بالخبر الفعلي إن ولي حرف النفي .
7- أو تقوية الحكم وتقريره .
8- أو لإفادة العموم .
* كما يتقدم المسند لأغراض منها ( ) :
1- تخصيص المسند بالمسند إليه كقوله تعالى : ***61533;وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ***61531; ( ) .
2- التنبيه من أول الأمر على أنه خبر لا نعت .
3- التفاؤل بتقديم ما يسر مثل : عليه من الرحمن ما يستحقه .
4 – التشويق إلى ذكر المسند إليه .
* ومن أغراض تقديم متعلقات الفعل ( ) :
1- الاختصاص : كقوله تعالى : ***61533; إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ***61531; ( ) .
2- الاهتمام بالمقدم كقوله تعالى : ***61533; قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ***61531; ( ) .
3- التبرك : مثل قولك : قرآناً قرأت .
4- رعاية الفاصلة كقوله تعالى : ***61533; فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ***61531; ( ) .
وهذه العلل أو الإفادات أو الأغراض يمكن تقسيمها إلى قسمين :
أ – قسم لفظي له صلة بالنظم ، والهدف منه تحسين العبارة من الناحية الشكلية ، وإضفاء طابع الجمالية والانسياب على العبارة كمراعاة الفاصلة والضرورة الشعرية .
ب – قسم دلالي يختص بالمعاني الإضافية المتولدة عن التقديم كالعناية والاهتمام والتخصيص والتقوية .
التقديم والعناية :
لقد صاغ البلاغيون بعض المبادئ التي يجدر بنا الوقوف عندها في أثناء مقاربة التقديم والتأخير منطلقين من مبدأ عام يتعلق بإفادات العلاقات النظمية ، ثم عن مصدر تلك الإفادات . والبلاغيون فسروا ظاهرة التقديم على أنها تركيز العناية والاهتمام بالعنصر المقدَّم ، فالمتكلم يختار ترتيباً دون آخر باعتبار الظروف والمقاصد ، وهو يقدم ما العناية به أشد ، قصداً إلى التأثير في السامع الذي أصبح معتبراً في العملية التواصلية . إن مفهوم العناية يمكّننا من النظر في التحويلات الممكنة للتراكيب ، فرغم أن كل مكونات الجملة تهم المتكلم إلا أن هذا الاهتمام وهذه العناية ليسا على درجة واحدة ، فالمقدم درجة الاهتمام به تفوق غيره . يقول الجرجاني : " وإنما يكون التقديم والتأخير على قدر العناية والاهتمام " ( ) .
إذن فالأهم واجب التقديم ، وهذا أصل في تعليل التقديم -أو كالأصل- وهو من جوامع الكلم ، وله اطراد في تعليل حالات التقديم والتأخير المختلفة . فتقديم المسند إليه ، وتقديم المسند ، وتقديم متعلقات الفعل ، كل ذلك يكون من أجل العناية والاهتمام ولهذا عدَّ د.إلياس ديب بيان الأهمية أهم الدواعي البيانية لتعليل التقديم ، وأصلاً لباقي المتعلقات البلاغية الأخرى ( ) . وتفسير هذا : أن التقديم دليل على أن المقدَّم هو الغرض الأهم . ففي قوله تعالى : ***61533; لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ ***61531; ( ) ، فقد قدّم اسم الإشارة الذي يريد به البعث ، فكان دليلاً على أهمية البعث ، وأن الكلام قد سيق لأجله . وفي قوله تعالى : ***61533; لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ***61531; ( ) قدَّم ( نحن وآباؤنا ) على اسم الإشارة (هذا) ، فكان ذلك دليلاً على أهمية المبعوثين ، وهم القصد من الحديث وليس البعث .
إن قضية العناية التي تناولها علماء النحو والبلاغة واللغة وما زلنا نقرأ عنها حتى يومنا هذا في كتب النحو والنقد والبلاغة ، أساسها من صنع سيبويه فهو أول من أشار إليها وطرق بابها ، يقول في ( باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى المفعول ) : " فإذا قدمت المفعول وأخرت الفاعل كقولك : ضربَ زيداً عبدُ الله ، وكان حظ اللفظ فيه أن يكون الفاعل مقدماً ، وهو عربي جيد كثير ، كأنهم إنما يقدمون الذي بيانه أهم لهم ، وهم ببيانه أعنى وإن كانا جميعاً يهمانهم ويعنيانهم " ( ) .
وفي باب ( كَسَى وما ينصب مفعولين ليسا المبتدأ والخبر ) يرى أن التقديم لبيان العناية والاهتمام كما كان في تقديم المفعول على الفاعل . يقول : " وإن شئت قدَّمت وأخَّرت فقلت : كَسَي الثوبَ زيدُ ، وأعْطَي المالَ عبدُ الله ، كما قلت : ضربَ زيداً عبدُ الله ، فالأمر في هذا كالأمر في الفاعل " ( ) . كما يرى هذه العناية والاهتمام في تقديم الظرف أيضاً ( ) . ويقول في باب ( إنَّ ) : " واعلم أن التقديم والتأخير والعناية والاهتمام ههنا مثله في باب كان " ( ) .
ويرى الزركشي أن وضع سيبويه للتقديم والتأخير قاعدة عامة هي أنهم يقدمون ما يعنون به " وذلك أن من عادة العرب الفصحاء إذا أخبرت عن مخبر ما – وأناطت به حكماً- وقد يشركه غيره في ذلك الحكم أو فيما أخبر به عنه ، وقد عطفت أحدهما على الآخر بالواو المقتضية عدم الترتيب ، فإنهم مع ذلك يبدءون بالأهم والأولى . قال سيبويه : ( كأنهم يقدمون الذي شأنه أهم لهم ) " ( ) .
ولعل سيبويه بلفته النظر إلى هذا السر البلاغي الذي تلقفه علماء النحو والبلاغة يكون قد أثرى كثيرا من المباحث البلاغية . ولا شك أن هذا يدل على أنه كان من الأوائل الذين أسهموا في تأسيس البعد التعليلي النظري للتقديم ، وفيه ما فيه من مراعاة موقع الوحدات داخل الرسالة اللسانية والشروط التي يفرضها عليه المقام التخاطبي .
ولعل من أهم الذين انتفعوا بمبدأ الاهتمام الذي أقره سيبويه عبد القاهر الجرجاني ، فقد سعى إلى تسويغ تقدم اللفظ أو تأخره بالنظر إلى ما يمثله في السياق ، وذلك بتوظيف ( الاعتبارات ) في البحث عن مصدر اهتمام المتكلم ببعض الجزاء الكلامية دون بعض . يقول الجرجاني : " واعلم أنا لم نجدهم اعتمدوا فيه شيئاً يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام قال صاحب الكتاب وهو يذكر الفاعل والمفعول : كأنهم يقدمون الذي بيانه أهم لهم … إن معنى ذلك أنه قد يكون من أغراض الناس في فعل ما أن يقع بإنسان بعينه ولا يبالون من أوقعه ، كمثل ما يعلم في حال الخارجي ، يخرج فيعيث ويفسد ويكثر به الأذى ، أنهم يريدون قتله ولا يبالون من كان القتل منه ، ولا يعنيهم منه شيء ، فإذا قُتل وأراد مريد الإخبار بذلك ، فإنه يقدم ذكر الخارجي فيقول: قتلَ الخارجيَّ زيدٌ ، ولا يقول : قتل زيدٌ الخارجيَّ ، لأنه يعلم أن ليس للناس في أن يعلموا أن القاتل له (زيد) جدوى وفائدة فيعنيهم ذكره ويهمهم " ( ) .
وقال في المقتصد معقباً على قول سيبويه : " يريد أنهم كانوا يقصدون ذكر كل واحد من المفعول والفاعل في قولك : ضرب الأميرَ زيدٌ ، فإنهم يقدمون الذي هو أجزل حظاً من العناية والاهتمام مفعولاً كان أو فاعلاً " ( ) .
فالتعليل بالعناية عند الجرجاني ذو طابع عقلي . يقول د. تامر سلوم : " وفي التقديم نرى أن المعنى الوجداني ليس أصلاً في حديث عبد القاهر الجرجاني ، إذ القول بالأهمية ، أو العناية ، وتأكيد الحكم ، ودعوى الانفراد ذو صبغة عقلية ، لا يتضح فيه تلمس الجانب الوجداني أو المعنى الأدبي " ( ) .
لقد أصبح مبدأ العناية والاهتمام أصلاً معتمداً عند البلاغيين المتأخرين الذين تابعوا سيبويه والجرجاني في دعوتهما إلى تسويغ تقدم اللفظ أو تأخره بالنظر إلى ما يمثله في السياق . يقول الزمخشري في تعليقه على قوله تعالى : ***61533; إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ***61531; ( ) : " هذا كلام جامع لا يزاد عليه . فإن قلت : كيف جعل ( خير من استأجرت ) اسماً (لإن) ، و( القوي الأمين) خبرا ؟ قلت هو مثل قوله :
أَلا إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ حياً وهالكاً أَسيرُ ثقيف عِنْدَهُم فِي السَّلاسِلِ
في أن العناية هي سبب التقديم " ( ) .
ويقول في تفسيره لتقديم كلمة ( راغب ) في قوله تعالى : ***61533; قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ***61531; ( ) : " لأنه أهم عنده وأعنى ، وفيه ضرب من التعجب والإنكار لرغبته عن آلهته ، وأن آلهته ما ينبغي أن يرغب عنها أحد " ( ) . وقريب منه قول ابن الأثير في الآية نفسها : " ولم يقل : أأنت راغب لأنه كان أهم عنده ، وهو به شديد العناية " ( ) .
ولم يخرج السكاكي عن ملاحظة سيبويه في التقديم . يقول : " والحالة المقتضية هي كون العناية بما يقدم أتمّ ، وإيراده في الذكر أهمّ ، والعناية التامة بتقديم ما يقدم والاهتمام بشأنه نوعان : أحدهما أن يكون أصل الكلام في ذلك هو التقديم ، ولا يكون في مقتضى الحال ما يدعو إلى العدول عنه . وثانيهما : أن تكون العناية بتقديمه والاهتمام بشأنه لكونه في نفسه نصب عينيك ، وأن التفات الخاطر إليه في التزايد ، كما تجدك قد منيت بهجر حبيبك وقيل لك : ما تتمنى ؟ تقول : وجه الحبيب أتمنى " ( ) .
لقد جعل السكاكي التقديم للعناية مطلقاً أي سواء كان المقدم من معمولات الفعل أو غيرها . كما جعل الأهمية ههنا قسيماً لكون الأصل التقديم ، ومراده بالأهمية ؛ الأهمية العارضة بحسب اعتناء المتكلم أو السامع بشأنه ، واهتمامه بحاله لغرض من الأغراض كقولك : قتلَ الخارجيَّ فلانٌ ، بتقديم المفعول ، لأن المقصود الأهم قتل الخارجي ليتخلص الناس من شره ( ) .
مظاهر العناية والاهتمام :
إن تقديم بعض المعمولات على بعض لا يكون إلا بكون ذلك البعض أهم ، لكن ينبغي أن يفسر وجه العناية بشأنه ، ويعرف له معنى ، ولا يكفي أن يقال : قدم للعناية والاهتمام ، من غير أن يذكر من أين كانت تلك العناية ؟ وقد وقع في ظنون الناس أنه يكفي أن يقال : إنه قدم للعناية ، ولتخيلهم ذلك قد قصر أمر التقديم والتأخير في نفوسهم وهونوا الخطب فيه ، ولعل ذلك ما ذهب بهم عن معرفة البلاغة ومنعهم أن يعرفوا مقاديرها ( ) .
يقول ابن يعقوب المغربي : " ثم كون الذكر أهم لا يكفي في علة التقديم لذاته ، لأن الأهمية نفسها حكم يفتقر إلى علة توجبها ، إذ الأهمية بالشيء هي الاعتناء به ، والاعتناء لا بد له من سبب ، فلذلك لو قيل : هذا أهم من ذلك ، كان هذا القائل بصدد أن يقال له لماذا كان أهم ؟ ومن أي وجه كانوا به أعنى ؟ " ( ) .
وبهذا يكون ذكر الأهمية كالقانون الجامع الذي سنسعى إلى تفصيله من خلال عرض بعض مظاهر وتجليات العناية الدائرة في فلك الانفعالات النفسية من تعجب واستعظام وفرح وحزن وتفاؤل وتشاؤم ومدح وذم وتشويق وتبكيت ، باعتبار أن الأهمية هي المعنى المقتضي للتقديم ، وجميع المذكورات تفاصيل له .
إن معظم علل التقديم هو من مظاهر العناية بالمقدَّم ، وهو تفاصيل للعناية ، إذ كانت العناية بمثابة القانون الجامع ، وكانت هذه المعاني النفسية مظهراً لها ، وهي لا تنحصر . والذي يطبع هذه الظاهرة الأسلوبية البلاغية ويحكمها هو الأبعاد النفسية الانطباعية ، ذلك أن النفس تُعنى وتتطلع إلى تقديم الذي بيانه لها أهم ، وهي بشأنه أعنى ، فقد يشغل نفسَ المتلقي أمرٌ من الأمور ، وتتطلع إلى خبره ، وتتشوق إلى ما تم بشأنه ، لكون التعرف عليه مهماً لديها ، أو لأن أموراً مهمة تترتب عليه ، فحينئذ ولكي يكون التعبير أكثر قدرة وقابلية على التأثير والإثارة ، يقدَّم فيه ما انعقد القلب به ، وإن كان حقه الترتيبي من حيث الوجود الذهني التأخير ، وذلك حتى يعجل للنفس ما تريد التعرف عليه فتطمئن وتستقر ، وإلا فقَدَ النص قيمته لانشغال النفس عما يرد فيه بما تعلقت به وتأخر بيانه في النطق ( ) .
وقد كان عبد القاهر أقرب البلاغيين إلى تفهُّم حقيقة هذه الظاهرة والكشف عن بعدها النفسي حينما ذهب إلى أن النفس إنما تُعنى بتقديم ما تهتم بشأنه ، وذلك لأنه ماثلٌ نصب العينين ، وأن التفات الخاطر إليه في ازدياد .
لقد اتضح من خلال ما سبق – بما لا يدع مجالاً للشك – أن العناية ومظاهرها أصل من أصول التعليل البلاغي لظاهرة التقديم والتأخير ، وأن ارتباطها بالملكات النفسية المعبر عنها بما تفرع عن العناية الدالة على حسن مراعاة المخاطب وسبر أغوار نفسه أمر لا يمكن تجاهله البتة .
وعلى هذا الأساس يمكننا تفسير التلوين الصوتي المتولد عن العدول التركيبي في الجمل بمعانقتها لسياقات التقديم والتأخير الرتبي بما يحمله من مظاهر العناية والاهتمام ، وتفريعات أهل النحو والبلاغة في هذا المقام .
* فمن هذا النموذج ما نلمسه من عدول تركيبي يتمثل في تقديم المسند إليه ( المبتدأ ) وهو في صورته المنكرة ، حيث إن حقه التأخير قفي هذه الحالة . وقد تناول البلاغيون مسألة ( الابتداء بالنكرة ) في أثناء حديثهم عن " تنكير المسند إليه " ، وقد جعلوا لهذا التنكير أغراضاً هي ( ) :
1- للإفراد ؛ أي القصد إلى فرد بعينه دونما تحديد .
2- للنوعية ؛ أي القصد إلى نوع بعينه محدد .
3- للتعظيم .
4- للتكثير .
5- للتقليل .
6- لإرادة العموم .
فإذا أردنا هنا في هذا المقام تلمس هذه الأغراض في الآيات التي وردت مبتدأٌ فيها بالنكرة ، يكون النسق كالتالي :
* ما ورد من النكرة للتعظيم ، تمثل في الآيات التالية :
– قوله تعالى : ***61533; فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ***61531; سورة الذاريات ( آية رقم 60 ) .
– قوله تعالى : ***61533; فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ***61531; سورة الطور آية رقم (11 ) .
– قوله تعالى : ***61533; لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ ***61531; سورة الطور آية رقم ( 23 ) . تعظيماً لشأن الجنة ، وتميزها عن الدنيا .
– قوله تعالى : ***61533; فوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ***61531; سورة المرسلات الآيات رقم ( 15 – 19 – 24 – 28 – 34 – 37 – 40 – 45 – 47 – 49 ) .
– قوله تعالى : ***61533; وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ***61531; سورة المطففين آية رقم ( 1 ) .
– قوله تعالى : ***61533; فوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ***61531; سورة المطففين آية رقم ( 10 ) .
– قوله تعالى : ***61533; وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ***61531; سورة الهمزة آية رقم ( 1 ) .
– قوله تعالى : ***61533; فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ***61531; ( ) . يقول الزمخشري : " فويل للمصلين على معنى : فويل لهم ، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم ؛ لأنهم كانوا مع التكذيب ، وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين " ( ) .
وكل ما ورد من نكرة مبتدأ بها بغرض الدعاء ، وبلفظ ( ويل ) فلا شك في أن إرادة تهويل العذاب المنتظر لهذه الفئات ، هو عين المراد هنا ، ليكون ذلك أقوى رادع ، وأشد مخوف لهم .
* أما ما ورد من النكرة ويراد به التكثير ، فيتمثل في الآيات التالية :
– قوله تعالى : ***61533; ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ***61531; سورة الواقعة آية رقم ( 13 ) . فهذه الفئة المؤمنة من أصحاب رسول الله ***61541; هم أكثر أهل الجنة ، وهم أهل المنزلة العالية . وهم لهذه الصحبة ، ولهذا البلاء الحسن ( ثلة ) كبيرة كثيرة آثرت الآخرة فنالوها معاً ، واستحقوا ما وعدهم الله من عظيم الجزاء والثواب .
– قوله تعالى : ***61533; وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ***61531; سورة القيامة آية رقم ( 24 ) .
– قوله تعالى : ***61533; قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ***61531; سورة النازعات آية رقم ( 8 ) .
– قوله تعالى : ***61533; وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ***61531; سورة عبس آية رقم ( 40 ) .
– قوله تعالى : ***61533; وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ***61531; سورة الغاشية آية رقم ( 2 ) .
فهذه الأصناف جميعها من الفئات التي ضلت وأضلت ، ولذا كان الأصل فيها أن تكون كثيرة في جانب أصحاب النار . فقد جاء سياق النكرة هنا دالاً على كثرة هذه الفئات يوم القيامة ، فقد ورد سياق الحديث بها في سياق الحديث عن القيامة وما يتبعها من أحداث ، لم تخالف آية منها في ذلك السياق . وجاءت النكرة في هذه الآيات مدللة على فداحة الخطب ، وكثرة الفئات الضالة في ذلك اليوم لأنه يوم الحساب ، فهو يوم العرض ، والمجازاة بالأعمال .
* أما ما ورد من النكرة ويراد بها التقليل ، فيتمثل في الآيات التالية :
– قوله تعالى : ***61533; وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ***61531; سورة الواقعة آية رقم ( 14 ) .
– قوله تعالى : ***61533; وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ***61531; سورة القيامة آية رقم ( 22 ) .
– قوله تعالى : ***61533; وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ***61531; سورة عبس آية رقم ( 38 ) .
– قوله تعالى : ***61533; وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ***61531; سورة الغاشية آية رقم ( 8 ) .
فالسياق هنا سياق تقليل لهذه الفئات الناجية يوم القيامة ؛ فالسابقون الأولون أكثريتهم من الأولين ، وأقلهم من المتأخرين . ومن ينعم برؤية المولى ***61529; منا هم فئة ناجية استحقت بإخلاصها هذه المنحة والمنة العظمى . ولذا كان سياق النكرة في هذه الآيات سياق تقليل ، وذلك لإبراز تميز هذه الفئات وتفردها بهذا المقام ، وهذه المكانة السامقة .
* وما ورد من النكرة للنوعية ، فيتمثل في الآية التالية :
– قوله تعالى : ***61533; فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ***61531; سورة الواقعة آية رقم ( 91 ) . أي أن هذا السلام مختلف تماماً عما عهدناه من سلامات ، فهو سلام أهل الجنة للنبي ***61541; سلام أصحاب اليمين ، مبلغا من قبل رب العزة ***61529; فهو سلام مختلف في نوعه ، مختلف في مصدره ، مختلف في منتهاه ، مختلف تماما فيمن يبلغه ويحمله . ويجوز هنا حمل النكرة على أن الغرض منها في هذه الآية هو ( التكثير ) ، وذلك لكون أهل اليمين في الجنة كثير ، وهم يسلمون على النبي ***61541; فتحمل النكرة هنا على هذا الغرض .
وهكذا فإن سياقات العدول في تقديم النكرة جاءت متناسبة مع السياق العام لهذه الآيات ، ومتناغمة مع النسيج النصي الذي وظفت فيه ، رعاية للبعد الدلالي والجمالي لهذه التوظيفات .
* كذلك من ألوان التلوين العدولي بالتقديم والتأخير ما أشار إليه أهل البلاغة من فروق دلالية بين الابتداء بأحد المعرفتين في السياق التركيبي ، أي عندما يكون المبتدأ والخبر معرفتين . فقد كان تقرير النحويين لهيكل الجملة الاسمية صريحا إذ جعلوا لهيكلها الرئيسي ركنين رئيسيين هما : ( المبتدأ ) + ( الخبر ) . وقد يتم اختراق هذا الهيكل لأغراض ومقاصد متعمدة .
وفي إطار البحث في هذه الأغراض والمقاصد المؤدية إلى هذا الاختلال التركيبي للنسق المثالي لهيكل الجملة الاسمية ، تناول النحويون بالتحليل أحد فروض هذه الهيكلة ، وهو ( التعريف والتنكير في ركني الجملة الاسمية ) . وما يقصد بالتعريف والتنكير هو فروض شكلية تتخذ شكلاً من الأشكال الآتية :
1- ( مبتدأ معرفة ) + ( خبر نكرة ) .
2- ( مبتدأ معرفة ) + ( خبر معرفة ) .
3- ( مبتدأ نكرة ) + ( خبر نكرة ) .
هذه الأشكال هي التي حكمت مسألة التعريف والتنكير لركني الجملة الاسمية . لكن أي هذه الأشكال هو الأصل الأول لتشكيل الهيكل التركيبي للجملة الاسمية ؟ وأيها يأتي تاليا بعد ذلك ؟ والإجابة على هذا التساؤل نجدها عند الكثير من النحويين . فابن السراج يشير إلى أنه : " إذا اجتمع اسمان معرفة ونكرة ، فحق المعرفة أن تكون هي المبتدأ ، وأن تكون النكرة الخبر ، لأنك إذا ابتدأت فإنما قصدك تنبيه السامع بذكر الاسم الذي تحدثه عنه ليتوقع الخبر بعده ، فالخبر هو الذي ينْكِره ولا يعرفه ، ويستفيده ، والاسم لا فائدة له لمعرفته به ، وإنما ذكرته لتسند الخبر إليه " ( ) .
فهو يجعل من الشكل الأول (الأصل) ، فالمبتدأ حقه التعريف ، والخبر حقه التنكير ليصح الإخبار عنه ، والتنبيه عليه . وتأمل قوله : ( لأنك إذا ابتدأت فإنما قصدك تنبيه السامع بذكر الاسم الذي تحدثه عنه ليتوقع الخبر بعده ) فقد جعل غرض هذا التعريف والتنكير هو تنبيه السامع ولفت انتباهه للخبر الذي لا يعرفه ، وذلك عن طريق المبتدأ الذي يعلمه جيداً . وهذا هو أسلوب البلاغة في أداء المعاني ، بالدلالة على المجهول بما هو معلوم ليكون ذلك أوكد للمعاني في الذهن .
والسهيلي يرى هذا الشكل الأصل المقرر إذ يقول : " حق المبتدأ أن يكون معرفة أو مخصوصاً ، وإلا لا فائدة في الإخبار عنه ، فإن لم يكن منعوتاً أو مخصوصاً ولا مستفهماً عنه ولا منفياً نحو : ***61533; َلا لَغْوٌ فِيهَا ***61531;( ) فلا يخبر عنه " ( ) .
والمهلبي ( ت583 هـ) يفصل المسألة أكثر بقوله : " حكم الاسم المبتدأ أن يكون معرفة لأنه إذ لم يعرف في نفسه فأجدر أن لا يعرف في غيره ، ولأنك إنما تخبر الرجل عمن لا يعلمه بما يعلمه ، فتقع الفائدة بإخبارك إياه ، فأما إذا أخبرته عمن لا يعلمه بما لا يعلمه لم تقع بذلك فائدة " ( ).
وعلى النهج نفسه يسلك ابن يعيش في المسألة باحثاً في جوانبها بقوله : " أصل المبتدأ أن يكون معرفة ، وأصل الخبر أن يكون نكرة ، وذلك لأن الغرض في الإخبارات إفادة المخاطب ما ليس عنده ، وتنزيله منزلتك في علم ذلك الخبر ، والإخبار عن النكرة لا فائدة فيه " ( ).
والنحويون على هذا الرأي ، إذ يقررون هذا الأصل ويعتمدوه في مؤلفاتهم ، كلّ بأسلوبه وطريقته الخاصة ( ) . أما حديثهم عن الشكلين الأول والثاني وهما كون المبتدأ والخبر معرفتين أو نكرتين معاً ، فقد فصل بعض النحويون القول في الابتداء بأحدهما . فقد أشار سيبويه إلى أنه إذا اجتمع معرفتان فالفيصل في الابتداء بأحدهما واعتماده ( مبتدأ ) ، واعتماد الثاني منهما ( خبراً ) هو المتلقي نفسه . يقول : " إذا كانا معرفتين فأنت فيهما بالخيار ، أيهما جعلته فاعلاً ورفعته ، ونصبت الآخر كما فعلت ذلك في ( ضَربَ ) وذلك قولك : كان أخوك زيداً ، وكان زيدٌ أخاك ، وكان هذا زيداً ، وكان المتكلم أخاك " ( ) .
فسيبويه هنا يجعل مقاليد الأمور كلها في يد المتلقي تأمل قوله : ( فأنت فيهما بالخيار ) أليس هذا معناه أنه لا فرق في المعني إذا ابتدأت بأحدهما ؟! لأنك بالخيار ، فلا فرق في الدلالة بين التركيبي ( زيدٌ أخوك ) و ( أخوك زيدٌ ) . وهذا مستغرب على سيبويه الذي يكرر في كتابه الكثير من الإشارات في بيان الفروق الدلالية بين التراكيب ، والمتولدة عن حركية أحد أركان الجملة في ذات الجملة إيجاباً وسلباً ( ) .
والمبرد يتناول المسألة من سيبويه ، لكنه يبرز الفروق المتولدة من الابتداء بأحد المعرفتين إذ يقول : " إذا قلت : ( ظننت زيدا أخاك ) فإنما يقع الشك في الأخوة ، فإن قلت : (ظننت أخاك زيداً) أوقعت الشك في التسمية " ( ) .
أما ابن يعيش فيسلك في تحليل هذه المسألة سبيل البلاغة إذ يغوص على الفروق الدلالية المتولدة من كون المبتدأ والخبر معرفة والابتداء بأحدهما ، فيجعل لكل منهما دلالات خاصة . يقول : " قد يكون المبتدأ والخبر معرفتين معاً نحو : ( أخوك زيدٌ ) و(عمرو المنطلقُ) و (الله إلهُنا) و (محمدٌ نبيُنا) ، فإذا قلت : (زيدٌ أخوك) وأنت تريد أخوة النسب ، فإنما يجوز مثل هذا إذا كان المخاطب يعرف زيداً على انفراده ، ولا يعلم أنه أخوه لفرقة كانت بينهما أو لسبب آخر ، أو يعلم أن له أخاً ولا يدري أنه زيد هذا ، فتقول : ( زيدٌ أخوك ) أي هذا الذي عرفته هو أخوك الذي كنت علمته ، فتكون الفائدة في مجموعهما ، فإن كان يعرفهما مجتمعين لم يكن في الإخبار فائدة " ( ) .
فهو في هذا النص يجعل للابتداء بأحد المعرفتين (زيد) و( أخوك) ضربين من الجمل هما : (أخوك زيدٌ) و(زيدٌ أخوك) . ويفصل القول فيما يتولد منهما من دلالات . فالابتداء بـ(زيد) يجعل المعنى المراد متمحوراً حول التنبيه على أخوة النسب ، وهذا عنده يجوز لأمور منها : معرفة المخاطب زيداً منفرداً ، أو جهله بهذا النسب بينه وبين زيد لافتراق كان بينهما ، أو لمعرفة المخاطب بهذه الأخوة لكنه يجهل تعيين هذا الأخ . وتنتفي هذه الدلالات تماماً عند الابتداء بـ(أخوك) إذ يكون التعيين هنا هو العامل المميز لهذه الجملة ، وذلك لأن الاستعانة بـ(كاف الخطاب) والتي تجعل هذا التعيين واقعاً في الابتداء ، فيكون المعنى : (هذا أخوك زيدٌ) . فالمعنى عمدة في تحليله في هذه المسألة .
أما ابن هشام فقد تناول المسألة أثناء حديثه عما يميز المبتدأ من الخبر ، وخاصة إذا كانا معرفتين ، فيدير المعاني في المسألة على النسق البلاغي ، يقول : " فإن كان المخاطب يعلم أحدهما دون الآخر فالمعلوم الاسم والمجهول الخبر ؛ فيقال : (كان زيدٌ أخا عمرو) لمن علم زيداً وجهل أخوته لعمرو ، و( كان أخو عمرو زيداً ) لمن يعلم أخاً لعمرو ، ويجهل أن اسمه زيد . وإن كان يعلمهما ويجهل انتساب أحدهما إلى الآخر ، فإن كان أحدهما أعرف فالمختار جعله الاسم فتقول : ( كان زيدٌ القائم ) لمن كان سمع بزيد وسمع برجل قائم ، فعرف كل منهما بقلبه ، ولم يعلم أن أحدهما هو الآخر . ويجوز قليلاً : ( كان القائمُ زيداً ) . وإن لم يكن أحدهما أعرف فأنت مخير نحو : ( كان زيدٌ أخا عمرو ) و( كان أخو عمرو زيداً ) " ( ) .
فابن هشام يدير الدلالات نفسها التي أثارها ابن يعيش في تناوله للمسألة ، لكن ما يحسب له بحق هو إشارته إلى كون أحد المعرفتين ضميراً أو اسم إشارة ودخلت عليهما كان ، فالأرجح في هذا المقام تعيين هذا الضمير مبتدأ وذلك لمكان التنبيه المتصل به ( ) .
أما السيوطي فينقل في هذه المسألة رأي ابن الخباز النحوي الذي يقول فيه : " إن قلت : ما الفرق بين ( زيدٌ أخوك ) و ( أخوك زيدٌ ) ؟ قلت من وجهين : أحدهما : أن ( زيدٌ أخوك ) تعريف للقرابة ، و( أخوك زيدٌ ) تعريف للاسم . والثاني : أن ( زيدٌ أخوك ) لا ينفي أن يكون له أخ غيره لأنك أخبرت بالعام عن الخاص ، و( أخوك زيدٌ ) ينفي أن يكون له أخ غيره ، لأنك أخبرت بالخاص عن العام " ( ) .
ألا يتضح مما سبق دوران النحويين حول دلالة – تكاد تكون واحدة تقريبا- متولدة من الابتداء بأحد المعرفتين ، هذه الدلالة هي من ابتكارات المبرد أولاً ، ولم يشر أحد من النحويين إلى ذلك .
ومسألة الابتداء بأحد المعرفتين تحمل في طياتها الكثير من أوجه البلاغة ، والغوص على المعاني التي مدار البلاغة وعنوان مباحثها . وتناول النحويين لهذه المسألة كان ينحو نحو الجانب التأملي في دلالات التراكيب ، لكون هذه التراكيب جاءت على غير الأصل المقرر في هيكلة الجملة الاسمية .
وخلاصة الرأي النحوي : أنه إذا اجتمع معرفتان أو نكرتان كلاهما نكرة محضة ، فإنه يمتنع تقديم الخبر فيهما لأمن اللبس ، وذلك عند انعدام القرينة الدالة على تعيين أحدهما ومنحه حق الصدارة . وهذا الأمر على أقسام :
الأول : المتقدم مبتدأ والمؤخر خبر سواء تساويا في درجة التعريف أو تفاوتا ، وهو الظاهر من رأي ابن عقيل ( ) .
والثاني : يجوز جعل كل واحد منهما مبتدأ لصحة الابتداء بهما جميعاً ( ) .
والثالث : إذا كان أحدهما مشتقا والآخر جامدًا ، فالمشتق هو الخبر سواء تقدّم أو تأخّر ، وإلاّ إن كانا جامدين أو كلاهما مشتقاً فالمقدم هو المبتدأ ( ) .
والرابع : المبتدأ هو الأعرف عند المخاطب ، سواء تقدّم أم تأخّر ، فإن تساويا في المعرفة عند المخاطب فالمقدم المبتدأ ( ) .
تلك هي آراء النحويين في مسألة اجتماع المعرفتين والابتداء بأحدهما ، وقد دارت كلها حول إبراز الفروق بين التركيبين من خلال الاتكاء على الجانب الدلالي واستثماره أفضل استثمار ، فخرج النحويون في هذه المسألة من العباءة النحوية إلى حيز أرحب وأوسع ، ولمسوا بحق ما يسميه البلاغيون بـ( معنى المعنى ) .
أما بحث المسألة عند البلاغيين فقد اتخذت مدار المعنى سبيلاً لها ، وتناولوها بالفحص والدرس والتحليل الدقيق ، وإن كان بدء هذا التحليل – كما هو دوماً – على يد عبد القاهر الجرجاني ، فلم نجد فيما سبقه من مؤلفات بلاغية أي إشارة إلى هذه المسألة من الوجهة البلاغية التحليلية .
فقد بدأ عبد القاهر ببحث المسألة بحثاً مفصلاً بقوله : " أما قولنا : ( المنطلقُ زيدٌ ) والفرق بينه وبين أن تقول : ( زيدٌ المنطلقُ ) ، فالقول في ذلك : أنك وإن كنت تريد في الظاهر أنهما سواء من حيث كان الغرض في الحالين إثبات انطلاق قد سبق العلم به لزيد ، فليس الأمر كذلك ، بل بين الكلامين فصل ظاهر " ( ) .
ثم يشرع بعد ذلك في تفصيل ما بين الكلامين من فروق دلالية ، وخلاصة قوله : أن قولك : ( زيدٌ المنطلقُ ) المعنى فيه ثبوت صفة (الانطلاق) لشخص ما دون تعيينه ، فيكون الشك في فاعل هذا الفعل ، فتعين هذا الفاعل بقولك : ( زيد ) ، فبذلك يعلم السامع أن فعل ( الانطلاق ) قد ثبت لفاعل (معنى لا رتبة) هو ( زيد ) ، فالفعل في هذه الجملة تمّ وانتهى . أما قولك : ( المنطلقُ زيدٌ ) فهو على معنى أن فعل الانطلاق يتم ويتكون الآن ، ولكن السامع لم يعين من صاحب هذا الانطلاق الذي يتم في هذا الوقت ، والابتداء بـ(زيد) هنا يعين صاحب هذا الفعل ( الانطلاق ) .
إذن عبد القاهر يتخذ من زمنية الحدث معياراً للتفرقة الدلالية بين الجملتين ، فهذا الزمن في جملة (المنطلقُ زيدٌ) في طور النمو والتشكل ، أما في جملة ( زيدٌ المنطلقُ ) فقد تمّ واكتمل .
لكن عبد القاهر يشير إلى لمحة دلالية غاية في الجمال والروعة إذ يجعل المعنى المتولد من الجملتين السابقتين ليس على إطلاقه ، لكن هناك بعض الاستثناءات ؛ منها : إذا كان أحد المعرفتين (اسم فاعل) أو (صفة) وبدئ به كان الغرض الدلالي مختلفاً عما سبقت الإشارة إليه . ومثال ذلك : قولك : ( اللابسُ الديباجَ صاحبُك ) فليس الغرض هنا إثبات لبس الديباج له ، لأن معاينتك إياه تنبئك عن ذلك . يقول عبد القاهر : " متى رأيت اسم فاعل أو صفة من الصفات قد بدئ به فَجُعِلَ مبتدأ ، وجعل الذي هو صاحب الصفة في المعنى خبراً ، فاعلم أن الغرض هناك غير الغرض إذا كان اسم الفاعل أو الصفة خبرا ، كقولك : ( زيدٌ المنطلقُ ) " ( ).
وينعي عبد القاهر على سيبويه رأيه الذي يجعل فيه الابتداء بأحد المعرفتين( بالخيار)( ) ، ويُعرِّض به دون أن ينص على اسمه ، ثم ينقض رأيه ويدلل على فساده بسوق العديد من الأمثلة والشواهد الشعرية ( ) .
أما الزمخشري فيسلك المسلك التطبيقي للتدليل على رأيه الذي ذهب إليه ، ففي تفسيره لقوله تعالى : ***61533; وَظَنُّوا أَنَّهُمُ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اْلَّلهِ***61531; ( ) يقوم بتعيين المعرفتين وهما ( مانِعَتُهم ) و( حصُونُهم ) ثم يعتمد ( مانعتهم ) خبراً مقدماً ، و( حصونهم ) مبتدأ مؤخراً ، ويجعل مدار النظم في هذه الآية هي الدلالة . يقول : " فإن قلت : أي فرق بين قولك : ( وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو مانعتهم ) وبين النظم الذي جاء عليه ؟ قلت : في تقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم ، وفي تصيير ضميرهم اسما لـ( إن) وإسناد الجملة إليه ، دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة ، لا يبالي معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع في معازتهم ، وليس ذلك في قولك : وظنوا أن حصونهم تمنعهم " ( ) .
فهو يجعل المعنى في الآية على النظم الذي وردت به في الذكر الحكيم ، على فرط ثقتهم بحصانة ومنعة هذه الحصون ، أي إثبات فعل المنع لكن لمن ؟ فيكون تعيين الحصون بهذا الفعل وهذا هو المقصد من نظم هذه الآية . بينما لو قدم ( حصونهم ) لكان المعنى على استمرار الثقة بفعل التحصن ، وهذا ما لا يستقيم مع الأحداث إذ أجلاهم المصطفي***61541; عن هذه الحصون فكيف يستمر فعل التحصن وهو منقوض . هكذا يطبق الزمخشري نظرة عبد القاهر في النظم كما أرادها ، يطبقها تطبيقاً جلياً على هذه الآية الكريمة ، ويخرج لنا بالدلالات الرائعة والمعاني الجليلة .
والرازي يسوق المسألة بشيء من التفصيل فيجعل المعنى في قولك : (زيدٌ المنطلقُ) على ثبوت صفة (الانطلاق) لكن ليس لمتعين ، ولذا فقولك : (زيد) تعيين لصاحب هذه الصفة ، أي حصر هذه الصفة في جانب هذا المتعين ( ) . أما قولك : ( المنطلقُ زيدٌ ) فعناه على اعتقاد من اعتقد انطلاق إنسان ما ولم يعينه ، فيجعل من تقديم (المنطلق) تعيين لهذا الإنسان وتخصيص له ( ) .
ويلخص الرازي المسألة بقوله : " الحاصل أن الإخبار يجب أن يكون عما يعرف بما لا يعرف ، فإذا قلنا : ( المنطلقُ زيدٌ ) فالمنطلق معلوم ، أما الشخص الذي هو المنطلق فمجهول . وإذا قلت : ( زيدٌ المنطلقُ ) كان المقصود إما حصر انطلاق معين ، أو حصر حقيقة الانطلاق " ( ) .
لكن الرأي العجيب الذي جاء به الرازي في نهاية بحثه للمسألة إذ يقول : " المبتدأ موصوف ، والخبر صفة ، فكما وجب أن يكون أحدهما في الوجود أولى بأن يكون موصوفاً ، والآخر صفة ، فكذلك في اللفظ ، فإذا قلنا : ( اللهُ خالقُنا ) و( محمدٌ نبيُّنا ) ، فالخالقية صفة لله تعالى ، والنبوة صفة لمحمد ***61541; فهما في الحقيقة متعينان للخبرية ، ولا يصلحان للمبتدئية " ( ) .
إن الرازي لما حاول هنا تقسيم المسألة ساق ما يخالف الإجماع ، فقد أراد جعل كل ما يصلح صفة ( خبراً ) سواء قدّم أو أخّر ، وعلة ذلك عنده أن الصفات لا تصلح إلا للخبرية . وهو في هذا الرأي مخالف لما قرره النحويون في هذه المسألة ، وكذلك مخالف لرأي عبد القاهر ، ولم يذكر حجة أو دليل على صحة ما ذهب إليه .
ويسير السكاكي على الدرب نفسه ( ) . ويتبعه على النهج ذاته القزويني دونما تجديد يذكر( ) .
تنــوير :
كان نظر البلاغيين لجزئية الابتداء بأحد المعرفتين متمحوراً في الاستشهاد القرآني حول آية قرآنية وحيدة هي قوله تعالى : ***61533; وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ ***61531; ( ). فقد وردت المعرفتان هنا ( مانعتهم ) + ( حصونهم ) معرفتان بالإضافة إلى الضمير . ونلمح تواتر البلاغيين على تناول هذه الآية بشيء من التفصيل والتحليل كما يلي :
فضياء الدين ( ابن الأثير ) في ( المثل السائر ) يتعرض للآية في أثناء بحثه باب " التقديم والتأخير " ، ويخرج الآية على أنها من باب ( تقديم الخبر على المبتدأ ) ، وذلك بإقرار ( مانعتهم ) خبرا مقدما على ( حصونهم ) المبتدأ المؤخر ، ثم يفلسف هذا التخريج معتمدا على ذوقه التحليـلي ، وتحليـله الذوقـي فيقول : " إنما قال ذلك ولم يقل : ( وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو ( مانعتهم ) لأن في تقديم الخبر الذي هو ( مانعتهم ) على المبتدأ الذي هو ( حصونهم ) دليلا على فرط اعتقادهم في حصانتها ، وزيادة وثوقهم بمنعها إياهم ، وفي تصويب ضميرهم اسما لـ( أن ) ، وإسناد الجملة إليه دليل على تقريرهم في أنفسهم أنهم في عزة وامتناع لا يبالي معها قصد قاصد ، ولا تعرض متعرض ، وليس شيء من ذلك في قولك : ( وظنوا أن حصونهم مانعتهم من الله ) " ( ).
إذن التقديم هنا لغرض محدد ومقصود هو إبراز الخلفية النفسية لهؤلاء اليهود المتحصنين بهذه الحصون ؛ إذ إنهم قوم ماديون يحتاجون دوما إلى الوثوق بما يلمس أي بالمادة ، دون ما يحس . ألم يقولوا لنبي الله موسى ***61557; حكي القرآن الكريم: ***61533; فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً***61531; ( ) . فهذه المادية هي عين المعنى المراد في آية سورة الحشر ، فقد وثقوا بالحصون وبأنها تمنعهم – حتى من الله – وقد خاب ظنهم فطردوا منها على يد المصطفي***61541; .
والعلوي في ( الطراز ) يسير على النهج نفسه ، إذ يصنف الآية على أنها من باب ( تقديم الخبر على المبتدأ ) بل ويكاد ينقل لنا نص ( ابن الأثير ) مع بعض التغيير في هيكل النص دون روحه ، يقول : " إنما قدّم قوله ( مانعتهم حصونهم من الله ) وهو حبر المبتدأ في أحد وجهيه ، ليدل بذلك على فرط اعتقادهم لحصانتها ، ومبالغة في شدة وثوقهم بمنعها إياهم ، وأنهم لا يبالون معها بأحد ، ولا ينال فيهم نيل . وفي تقرير ضمير ( هم ) اسما وإسناد المنع والحصول إليهم ، دلالة بالغة على تقريرهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة ، لا ترمى حوزتهم ، ولا يغزون في عقر دارهم ، ولو أخر الخبر لم يعط شيئا من هذه الفوائد " ( ) .
فالنص هنا يكاد يتطابق مع نص ( ابن الأثير ) تطابقا تاما ، ولا يتميز عنه سوى بإدراك ( العلوي ) لمسألة ( الابتداء بأحد المعرفتين ) ، يلمح ذلك من قوله : ( في أحد وجهيه ) أي أن هذا الخبر المقدم قد يتحرك ( سلبا ) فيكون خبراً مؤخراً ، أو ينسخ حكمه فيكون في موقعه مبتدأً . إن العلوي لم يسمح لنفسه أن ينطلق بفكره ، فلم يهتم باستنباط الدلالات الممكنة من وراء هذا التأخير ، واكتفي بتكرار عبارة ابن الأثير بمعناها فقال : ( ولو أخر الخبر لم يعط شيئاً من هذه الفوائد ) .
ونلحظ أن كلاً من ابن الأثير والعلوي من أنصار مدرسة التجديد أو محاولات التجديد التالية لمحاولات السكاكي وأنصاره المدرسيين المنطقيين . والسؤال الآن هل تناول السكاكي هذه المسألة هو وتلامذته بالبحث والتحليل ؟ والإجابة أن السكاكي قد بحث هذه الجزئية في بحثه لأحوال المسند عندما تعرض لـ( تعريف المسند ) . فقد أشار السكاكي إلى أن تعريف المسند لا بد أن يعتمد قبل ذلك على تعريف المسند إليه ، وهو ما قرره النحويون أن الأصل في الجملة الاسمية أن يُعرَّف المبتدأ ويُنَكَّر الخبر . لكن السكاكي يجعل تعريف ( المسند ) واجباً في حالة واحدة هي : إذا كان المسند عند السامع أو المتلقي متشخصاً أي ( معروفاً ) بأحد طرق التعريف ، وذلك لأن تعريف المسند استلزم قبل ذلك كون المسند إليه معرفة ( ) .
لكن ماذا يستفيد السامع من تعريف المسند إليه والمسند ؟ يجيب السكاكي : " يستفيد إما لازم الحكم ، كما ترى في قولك لمن أثنى عليك بالغيب : الذى أثنى علي بالغيب أنت . معرفاً لأنك عالم بذلك . أو الحكم كما ترى في قولك لمن تعرف أن له أخاً ، ويعف إنسانا يسمى زيداً ، أو يعرفه يحفظ التوراة ، أو تراه بين يديه ، لكن لا يعرف أن ذلك الإنسان هو أخوه ، إذا قلت له : أخوك زيدٌ ، أو أخوك الذي يحفظ التوراة ، أو أخوك هذا ، فقدمت الأخّ ، أو إذا قلت : زيدٌ أخوك ، أو الذي يحفظ التوراة أخوك ، أو هذا أخوك ، فأخرت الأخ معرفاً له في جميع ذلك " ( ) .
فالسكاكي هنا يجعل تعريف المسند إليه والمسند يفيدان أحد أمرين هما :
الأول : إفادة لازم الحكم ، ومعناه : الحكم على أمر معلوم بآخر معلوم ، أي أنه يتناص هنا مع الأغراض المستفادة من الخبر ، خاصة مع ما يسمى ( لازم فائدة الخبر ) . وهذا مغاير لعلم المخاطب بالحكم ، فقولك : أنت الذي مدحني بالقصيدة الرائعة ، معلوم لك أنه هو ، لكنك أردت أن تؤكد الحكم هنا .
والثاني : إفادة الحكم ، ومعناه : الحكم على أمر معلوم للسامع ، ومعرف بطريقة من طرق التعريف ، بأمر آخر غير معلوم له ، وذلك لأنه يجب عند تعريف المسند تعريف المسند إليه ، إذ ليس في كلام العرب مسند إليه نكرة ومسند معرفة ، فقولك : أخوك زيد اقتضى جهل السامع بأحد المعرفتين ، فلذا وجب إفادته حكماً بأن له أخاً هو زيد . فالأمر هنا على إفادة حكم لا لازم حكم .
ويعود السكاكى لينقل لنا رأياً مستفاداً من رأي النحويين في هذه المسألة ، مفاده : أنه إذا أتت معرفتان فليس كل منهما صالحا للابتداء ، بل هناك منهما من هو متعين دوماً للخبرية ولا يصلح للابتداء به ، ومنهما من يصلح دوماً للمبتدئية ولا يصلح للإخبار به ( ) .
وقد تواتر على هذا الرأي أتباع المدرسة السكاكية ، دون أي تجديد أو إضافة ، اللهم ما كان من بعضهم من توظيف بعض آيات النص القرآني في هذه المسألة ، مثلما فعل ( الطيبي ) الذي حاول إبراز ذاته التجديدية في إطار النظرية السكاكية بتوظيف الآي القرآني في هذه المسألة ، وقد تأتى له ذلك بصورة جميلة ( ) ، أو إضافة بعض أبيات الشعر ( ) ، أو الإفاضة في الشرح فقط ( ).
ورغم تخريج النحويين والبلاغيين لهذه المسألة ، وإبراز الآراء والأقوال فيها ، إلا أن حدود هذه الآراء لم يكن لتشمل دلالات آيات النص القرآني في توظيفه لهذه المسألة . فمثلاً قوله تعالى : ***61533; سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ***61531; ( ) ، فتعريف المبتدأ والخبر هنا لا يفيدنا لازم الحكم أو الحكم إطلاقاً . فالمسند إليه والمسند معرفتان وفي لازم الحكم تدل بأمر معلوم ( هو ) الدال على الذات الإلهية ، على أمر آخر معلوم ( العزيز ) وهو دال أيضاً على الذات الإلهية ، والاثنان معلومان في الذهن الإنساني بما لا يدع مجالاً لدلالة هذا على ذاك ، ولا ذاك على هذا .
والمتأمل لعظمة التركيب في الآية القرآنية كما يلي : ( هو العزيز الحكيم ) يجد أن البنية التركيبية تعطى دلالات تتضافر دون شك مع البنية السياقية للآية ومن ثم البنية السياقية للسورة . فالسياق في الآية في يتناول الحديث عن عبودية كل مخلوقات الله لله ، وتسبيحهم إياه على الدوام . تأمل دلالة التعبير بالفعل الماضي ( سَبَّحَ ) فليس المقصود هنا انتهاء فعل التسبيح ، بل المعنى على أن هذه المخلوقات جميعها سبحت – وتسبح وستظل تسبح – لله ***61529; قبلك أيها الإنسان ، وما زلت بجهلك وعنادك ، فاستلزم الأمر أن نرسل لك رسلاً وكتباً ، ولم تستدل مثل هذه المخلوقات على إلهك مباشرة ، بل أعملت عنادك ، فانظر وتأمل صبر الله عليك وحبه لك لما أرسل لك الرسل والكتب رغم ما أنت فيه من كفر وجهل وعناد ، ولم يأخذك أخذ عزيز مقتدر ( وهو العزيز الحكيم ) .
فالسياق هنا يقتضي الابتداء بالضمير الدال على الذات الإلهية لإشعار الرهبة في النفس عند سماعه . و ( هو ) ضمير دال مؤثر في مثل هذا السياق ، ثم أتبع بصفة واسم دال على التمكن من الأمور ، وطلاقة التصرف فيها والقدرة عليها ، وذلك بمطلق العلم بل بمطلق الحكمة . لكن هل يمكن أن تستفاد هذه المعاني والدلالات من تأخر الضمير المبتدأ به ( هو ) ليصير خبراً ؟ تأمل مثلاً قولنا : ( والعزيز الحكيم هو ) أننا بذلك نرى استقامة في البنية الهيكلية ، وفي المعنى الدلالي في غير القرآن ، لأن المعنى حينئذ : أن هناك أعزاء كثيرون فاقتضى منك ذلك تحديد المقصود بهذه العزة فقـلت : ( هو ) ، وحاش لله أن يكون هذا المقصود .
إذن التخريج النحوي والبلاغي لهذه المسألة يطرد على مادون القرآن ، أما النص القرآني فالمسألة تحتاج إلى دقة نظر عند بحث هذه الآيات ، دون قولبة الأغراض البلاغية الجاهزة ، وصبها على هيكل الآيات القرآنية دون وعي ، فلكل آية ذوق وطعم لمن أراد أن يتذوق .
وخلاصة القول : أن الرأي النحوي وقف في بحث هذه المسألة على الأصل الذي ينبغي أن تكون عليه هذه الهيكلة من حيث كون ( المبتدأ ) معرفة و( الخبر ) نكرة ، فهذا هو الهيكل النسقي للجملة الاسمية عندهم . وإن كان بعض النحويون قد تطرق بالتحليل إلى المعاني المتولدة من إتيان ( المبتدأ والخبر ) معرفتين مثلما فعل المبرد وابن يعيش ، رغم أن هذه الإشارة لم تكن كافية من جانب النحويين ، فقد كان الأولى بهم أن يفصلوا وهم أهلٌ لذلك دون غيرهم .
أما البلاغيون فقد استبان الأمر عندهم ، فتناولوا المسألة مقرين إياها بداية ، ومحللين لكل تركيب على حدة من حيث المعاني المتوخاة منه ، فلكلٍ دلالات تختلف تماماً عن الآخر . وقد وجدنا صدى هذا الجهد الذي فتق مباحثه عبد القاهر ، عند الزمخشري والرازي والسكاكي والقزويني . والتحليل البلاغي في هذه المسألة لم يتخذ الأساس النحوي منطلقاً له ، بل اتخذه مرمى للنقد ، وغرضاً للهدم ، وذلك لعدم اتكاء الأساس النحوي في هذه المسألة على روح التراكيب ، وفنية الأداء ، واكتفائه برصد الهيكلة الجملية التي تحكم علاقات الأركان فيها .
تلك هي بعض إشارات التلوين الصوتي بالعدول الرتبي ، أي بتوظيف فنية التقديم والتأخير في سياقات الجمل القرآنية ، وما اعتمدت عليه من تخريجات للنحويين والبلاغيين ، دارت معظمها على القواعد الجامدة دون مراعاة لروح النص القرآني وتفردات سياقاته .
الهوامش :
1. – ينظر : د. فايز الداية ، علم الدلالة العربي ، معهد الإنماء العربي ، حلب ، 1995 ، 21 .
2. – عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 10 .
3. – ينظر : أبو حيان التوحيدي ، الإمتاع والمؤانسة ، 1 / 121 .
4. – ينظر : د. عبد الحكيم راضي ، نظرية اللغة في النقد العربي ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، 1997 ، 213 .
5. – عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 111 .
6. – العلوي ، الطراز ، 2 / 66 .
7. – ينظر : عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 186 . – الرازي ، نهاية الإيجاز ، 159 . – الرضي ، شرح الكافية ، 1 / 100 .
8. – د. إبراهيم أنيس ، من أسرار اللغة ، 323 .
9. – سورة الأنعام : آية رقم ( 100 ) .
10. – ينظر : د. محمد عبد المطلب ، البلاغة و الأسلوبية ، 252 .
11. – برجشتراسر ، التطور النحوي ، 133 .
12. – ينظر : د. تمام حسان ، الأصول ، 385 .
13. – ينظر : القاضي الجرجاني ، الوساطة ، 412 – 413 .
14. – ينظر : د. صلاح فضل ، علم الأسلوب ، 89 – 90 .
15. – ينظر : د. سعد مصلوح ، الدراسة الإحصائية للأسلوب ، 106 .
16. – ينظر : د. عبد الحكيم راضي ، نظرية اللغة ، 489 .
17. – د. صلاح فضل ، علم الأسلوب ، 81 .
18. – ينظر : د. تمام حسان ، الأصول ، 47 .
19. – ينظر : د. يحيى أحمد ، الاتجاه الوظيفي ودوره في تحليل اللغة ، دار الثقافة ، الدار البيضاء ، 1998 ، 76 .
20. – ينظر : د. محمد عبد المطلب ، البلاغة والأسلوبية ، 248 .
21. – د. صلاح فضل ، علم الأسلوب ، 93 .
22. – عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 364 .
23. – ينظر : د. عبد الحكيم راضي ، نظرية اللغة ، 211 .
24. – ينظر : د. محمد أبو موسى ، دلالات التراكيب ، 175 .
25. – ينظر : عبد الجبار ، المغني في أبواب التوحيد والعدل ، إعجاز القرآن ، تحقيق : أمين الخولي ، مطبعة البابي الحلبي ، القاهرة ، 1966 ، 16 / 199 .
26. – ج . فندريس ، اللغة ، 187 .
27. – ينظر : د. مجيد ناجي ، الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية ، المؤسسة الجامعية للدراسات ، بيروت ،1995 ، 114 .
28. – ينظر : د. محمد أبو موسى ، دلالات التركيب ، 177 .
29. – ينظر : د. ريمون طحان ، الألسنية العربية ، المؤسسة الجامعية للدراسات ، بيروت ، 1994 ، 2 / 85 .
30. – عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 85 .
31. – الرازي ، نهاية الإيجاز ، 284 .
32. – د. تمام حسان ، الأصول ، 84 .
33. – ينظر : الجاحظ ، البيان والتبيين ، 1 / 135 . ابن رشيق ، العمدة ، 1 / 176 .
34. – سورة طه : آية رقم ( 129 ) .
35. – الفراء ، معاني القرآن ، 2 / 195 .
36. – ينظر : أبو عبيدة ، مجاز القرآن ، 1 / 124 ، 2 / 13 . – ابن فارس ، الصاحبي ، 412 . – الثعالبي ، فقه اللغة ، 322 .
37. – سورة الكهف : الآيتان رقم ( 1 ، 2 ) .
38. – سورة هود : آية رقم ( 71 ) .
39. – سورة الشمس : آية رقم ( 14 ) .
40. – ابن قتيبة ، تأويل مشكل القرآن ، تحقيق : السيد صقر ، مكتبة التراث ، القاهرة ، 1989 ، 158 .
41. – ينظر : السكاكي ، مفتاح العلوم ، 93 . – القزويني ، الإيضاح ، 101 . – ابن مالك ، المصباح ، 26 .
42. – ينظر : السكاكي ، مفتاح العلوم ، 105 . – ابن مالك ، المصباح ، 38 . – الجرجاني ، الإشارات والتنبيهات ـ 78 .
43. – سورة النور : آية رقم ( 42 ) .
44. – ينظر : الرازي ، نهاية الإيجاز ، 316 . – الزركشي ، البرهان ، 3 / 153 . – القزويني ، الإيضاح ، 53 .
45. – سورة الفاتحة : آية رقم ( 5 ) .
46. – سورة الأنعام : آية رقم ( 164 ) .
47. – سورة الضحى : آية رقم ( 9 ) .
48. – عبد القاهر الجرجاني ، المقتصد في النحو ، 1 / 330 .
49. – د. إلياس ديب ، أساليب التأكيد في اللغة العربية ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ،1999 ،66 .
50. – سورة النمل : آية رقم ( 68 ) .
51. – سورة المؤمنون : آية رقم ( 83 ) .
52. – سيبويه ، الكتاب ، 1 / 14 .
53. – السابق ، 1 / 19 .
54. – نفسه ، 1 / 27 .
55. – نفسه ، 1 / 285 .
56. – الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، 3 / 235 .
57. – عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ، 107 – 108 .
58. – عبد القاهر ، المقتصد ، 1 / 311 .
59. – د. تامر سلوم ، نظرية اللغة والجمال ، دار النفائس ، بيروت ، 1988 ، 131 .
60. – سورة القصص : آية رقم ( 26 ) .
61. – الزمخشري ، الكشاف ، 3 / 403 .
62. – سورة مريم : آية رقم ( 46 ) .
63. – الزمخشري ، الكشاف ، 3 / 20 .
64. – ابن الأثير ، المثل السائر ، 2 / 216 .
65. – السكاكي ، مفتاح العلوم ، 236 .
66. – التفتازاني ، المطول ، 202 .
67. – ينظر : عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 108 .
68. – ابن يعقوب المغربي ، مواهب الفتاح ، 1 / 389 .
69. – ينظر : د. مجيد ناجي ، الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية ، 117 .
70. – ينظر : السكاكي ، مفتاح العلوم ، 286 – 290 . القزويني ، الإيضاح ، 52 – 54 . الطيبي ، التبيان ، 257 – 260 .
71. – سورة الماعون : آية رقم ( 4 ) .
72. – الزمخشري ، الكشاف ، 4/ 804 .
73. – ابن السراج ، الأصول في النحو ، 1/59 .
74. – سورة الطور : آية رقم ( 23).
75. – السهيلي ، نتائج الفكر ،409 .
76. – المهلبي ، نظم الفرائد وحصر الشرائد ، تحقيق : د. عبد الرحمن العثيمين ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، 1986 ،61 .
77. – ابن يعيش ، شرح المفصل ، 1/85 .
78. – ينظر : – ابن معطي ، الفصول الخمسون ، 198 .- المرادي ، توضيح المقاصد ، 1/ 281 . -ابن عقيل ، شرح الألفية ، 1/216 . – ابن الناظم ، شرح الألفية ، 114 . – المكودي ، شرح الألفية ، 1/180 . – السيوطي ، الأشباه والنظائر ، 2/ 257 .
79. – سيبويه ، الكتاب ، 1/50 .
80. – السابق ، 1/59 ، 2/88 ، 2/127 .
81. – المبرد ، المقتضب ، 3/95 .
82. – ابن يعيش ، شرح المفصل ، 1/98 .
83. – ابن هشام ، مغني اللبيب ، تحقيق : د. مازن المبارك ، دار الفكر ، بيروت ، ط1 ، 1989 ، 432.
84. 3- السيوطي ، الأشباه والنظائر ، 2/ 268 .
85. 1 – ابن عقيل ، شرح الألفية ، 2/ 221 .
86. 2- الخضري ، حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ، 1/222 .
87. 3- المرجع السابق ، 1/ 223 .
88. 4- الرضي ، شرح الكافية ، 1/230 .
89. – عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 187 .
90. – عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 187 .
91. – سيبويه ، الكتاب ، 1/50 .
92. – عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ، 188- 193 .
93. – سورة الحشر : آية رقم ( 2) .
94. – الزمخشري ، الكشاف ، 4/499 .
95. – الرازي ، نهاية الإيجاز ، 160 .
96. – المرجع السابق ، 162 .
97. – الرازي ، نهاية الإيجاز ، 163 .
98. 2- السابق ، 164 .
99. – السكاكي ، مفتاح العلوم ، 314- 316 .
100. – القزويني ، الإيضاح ، 104 .
101. – سورة الحشر : آية رقم ( 2 ) .
102. -ابن الأثير ، المثل السائر ، 2 / 38 .
103. – سورة النساء : آية رقم ( 153 ) .
104. – العلوي ، الطراز ، 235 .
105. – السكاكي ، مفتاح العلوم ، 314 .
106. – السابق ، 315 .
107. – السكاكي ، مفتاح العلوم ، 315 .
108. – الطيبي ، التبيان ، 265 .
109. – القزويني ، الإيضاح، 105 .
110. – ينظر : القزويني ، الإيضاح ، 104- 106 . الطيبي ، التبيان ، 264-265 . ابن مالك ، المصباح ، 42- 44 . السبكي ، عروس الأفراح ، 2/93 – 2/103 . التفتازاني ، المطول ، 174-181 . ابن يعقوب ، مواهب الفتاح ، 2/94 – 2/ 102 .
111. – سورة الحشر : آية رقم ( 1 ) .
تلوينات العدول في الجملة القرآنية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
أينما وُجِدَ العدول في التعبير اللغوي وُجِدَ التركيب الفني والجمالي ، فما العدول في حقيقته إلا اللغة في بنيتها السطحية ( الفنية ) ، مبتعدة في اتجاه مضاد لمستوى البنية العميقة ( المعيارية ) ، التي هي أصل بنية العدول .
والقرآن الكريم كأثمن نص تعبيري باللغة العربية وظّف هذه البنية العدولية في مبانيه الجملية والتركيبية على أروع نسق ، وأجمل هيئة تعبيرية ، ذلك لأن فنية العدول في القرآن تتسع لتشمل في فضائها ألوان متنوعة تتمثل في :
1- العدول الرتبي ( التقديم والتأخير الرتبي ) .
2- العدول المعنوي ( التقديم والتأخير المعنوي ) .
3- العدول الضمائري ( أسلوب الالتفات ) .
ولذا فالتلوين بالعدول في سياقات التوظيف القرآني للتراكيب يهدف أولاً وقبل كل شيء إلى إثبات فرادة النص الكريم ، وثانياً إلى تثوير الدلالات الجمالية المتولدة عن مثل هذا العدول . ولنحاول الآن الوقوف مع كل لون من هذه الألوان العدولية من خلال السياقات القرآنية ، محاولين تلمس جماليات التوظيف النصي في هذه السياقات .
أولاً : العدول الرتبي ( التقديم والتأخير الرتبي )
أصبح من المسلم به أن معنى الجملة ليس هو مجموع معاني المفردات التي تتألف منها ، بل هو حصيلة تركيب هذه المفردات في نمط معين حسب قواعد لغوية محددة ، تماما كما أن الساعة مثلاً ، ليست مجموع القطع المعدنية التي تتألف منها ، وإنما هي آلة تتكون من هذه القطع حسب قواعد معدنية ، لتؤدي وظيفة لا تؤديها أي من القطع وحدها ، ولا تؤديها كل القطع مجتمعة إلا إذا ركبت بطريقة محددة ( ) .
كما أن نسق الجملة وكيفية ترتيب الأجزاء فيها مما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار في أثناء عملية الاختيار البنائي للجملة . يقول الجرجاني : " وإن أردت أن ترى ذلك عياناً فاعمد إلى أي كلام شئت وأزل أجزاءه عن مواضعها وضعها وضعا يمتنع معه دخول شيء من معاني النحو فيها فقل في :
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ
( من نبك قفا حبيب ذكرى منزل ) ثم انظر هل يتعلق منك فكر بمعنى كلمة منها " ( ) . ذلك لأن المعنى إنما يتولد فقط من ترتيب الألفاظ والعبارات ، والمعاني هي معاني النحو بالتقديم والتأخير ( ). ومعنى هذا أن لكل تركيب نظمه وترتيبه ومواقع ألفاظه ، وقد صرح باسكال بأن الكلمات المختلفة الترتيب يكون لها معنى مختلف ، وأن المعاني المختلفة الترتيب يكون لها تأثيرات مختلفة أيضا ( ) .
إن تقديم ما هو متأخر ، وتأخير ما هو متقدم لمناسبة تقتضي ذلك جائز لا مشاحة فيه . وهذا الجواز ليس مجانياً ، بل ما من مقدَّم أو مؤخَّر يُزَال عن موضعه إلا ويترك ظلالاً معنويةً يخالف الوضع الثاني فيها الوضع الأول ، ومن ثم كان تقسيم التقديم إلى مفيد وغير مفيد ، مما أثار حفيظة عبد القاهر فقال : " واعلم أن من الخطأ أن يقسم الأمر في تقديم الشيء وتأخيره قسمين ، فيجعل مفيداً في بعض الكلام وغير مفيد في بعض ، وأن يعلل تارةً بالعناية وأخرى بأنه توسعة على الشاعر والكاتب ، حتى تطرد لهذا قوافيه ولذلك سجعه ، ذاك لأن من البعيد أن يكون في جملة النظم ما يدل تارة ولا يدل أخرى ، فمتى ثبت في تقديم المفعول مثلاً على الفعل في كثير من الكلام أنه قد اختص بفائدة لا تكون تلك الفائدة مع التأخير ، فقد وجب أن تكون تلك قضية في كل شيء وفي كل حال ، ومن سبيل من يجعل التقديم وترك التقديم سواء أن يدعي أنه كذلك في عموم الأحوال ، فأما أن يجعله شريجين فيزعم أنه للفائدة في بعضها ، وللتصرف في اللفظ من غير معنى في بعض ، فمما ينبغي أن يرغب عن القول به " ( ) .
لقد حاول البلاغيون التدليل على اختلاف الدلالات باختلاف التراكيب بالتقديم والتأخير ، واجتهدوا في بيان الفروق الدقيقة بين عبارات أصبحت رائجة في مصادرهم قديمها وحديثها من مثل : ( زيداً ضربتُ ) ، و( ضربتُ زيداً ) ، و( زيدٌ المنطلقُ ) ، و( المنطلقُ زيدٌ ) ، و(جاءَ زيدٌ ضاحكاً) ، و(جاءَ ضاحكاً زيدٌ) . وكان تحليلهم لها مؤذناً بفهم دقيق واعي . فمن ذلك مثلاً تفريقهم بين :
*( زيداً ضربتُ ) ، و( ضربتُ زيداً ) : عبارتان ليستا بمعنى واحد " فإن في قولك : ( زيداً ضربتُ ) تخصيصاً له بالضرب دون غيره ، بخلاف قولك : ( ضربتُ زيداً ) ، وبيانه هو أنك إذا قدمت الفعل فإنك تكون بالخيار في إيقاعه على أي مفعول أردت بأن تقول : ضربتُ زيداً أو عمراً أو بكراً أو خالداً ، وإذا أخرت الفعل وقدمت مفعوله فإنه يلزم الاختصاص للمفعول على أنك لم تضرب أحدا سواه " ( ) .
*( زيدٌ المنطلقُ ) ، و( المنطلقُ زيدٌ ) : وأما قولك ( المنطلقُ زيدٌ ) والفرق بينه وبين أن تقول ( زيدٌ المنطلقُ ) ، فالقول في ذلك أنك وإن كنت ترى في الظاهر أنهما سواء من حيث كان الغرض في الحالين إثبات انطلاق قد سبق العلم به لزيد ، فليس الأمر كذلك . بل بين الكلامين فصل ظاهر وبيانه : أنك إذا قلت : ( زيدٌ المنطلقُ ) فأنت في حديث انطلاق قد كان وعرف السامع كونه ، إلا أنه لم يعلم أمن زيد كان أم من عمرو ، فإذا قلت : ( زيدٌ المنطلقُ ) أزلت عنه الشك وجعلته يقطع بأنه كان من زيد بعد أن كان يرى ذلك على سبيل الجواز ، وليس كذلك إذا قدمت ( المنطلق ) ، فقلت : ( المنطلقُ زيدٌ ) ، بل يكون المعنى حينئذ على انك رأيت إنساناً ينطلق بالبعد عنك ، فلم تثبته ولم تعلم أنه أزيد هو أم عمرو ، فقال لك صاحبك : (المنطلقُ زيدٌ) ، أي هذا الشخص الذي تراه من بُعد هو زيد ( ) .
وقد أثارت محاولات البلاغيين التمييز بين هذه العبارات د. إبراهيم أنيس فقال عن الجرجاني : " وقد حاول عبد القاهر الجرجاني أن يفرق بين مثلين من صنعه هما : (زيدٌ المنطلقُ) ، و( المنطلقُ زيدٌ ) فلقي من العنت والمشقة ما أجهده وأجهدنا معه ، ويظهر أن صعوبة تمييز المسند من المسند إليه في مثل هذه الجمل هو الذي ألجأ عبد القاهر وغيره إلى تكلف الشطط في علاجها . وهذه المزاوجات لا تعدو أن تكون أمر أسلوب إذ لا يكاد المعنى يختلف بتأخير أحدهما أو تقديمه " ( ) .
ولعل د. إبراهيم أنيس حين أصدر حكمه هذا كان واقعاً تحت تأثير التصور النحوي الذي لا شأن له بالدلالات الجزئية ، فالمعنى لا يختلف سواء قدّمنا أو أخّرنا ، بينما يحدث التغيير في الدلالة ذاتها ففي قوله تعالى : ***61533; وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ ***61531; ( ) وجدنا المعنى العام أنهم جعلوا الجن شركاءَ وعبدوهم مع الله ، أما الدلالة فتأتي من وراء الصياغة الإبداعية في التقديم والتأخير ( ) .
ولهذا لم يستطع برجشتراسر أن يقف عند حدود فارقة بين التعبير بالتركيب الفعلي ( جاءَ زيدٌ ) ، و التركيب الاسمي ( زيدٌ جاءَ ) . يقول : " والأقرب إلى الاحتمال هو أن يكون معنى ( زيد جاء ) عين معنى ( جاء زيد ) ، وإنما الفرق بينهما أنه إذا قلت : ( جاء زيد ) أخبرت عن مجيئه إخباراً محضاً ولا يخالطه شيء غيره ، فتقديم الفعل هو العبارة المألوفة ، وإذا قلت : ( زيد جاء ) كان مرادي أن أنبه به السامع إلى أن الذي جاء هو زيد ، كأني قلت : زيد جاء لا غيره . فتقديم الفاعل عبارة عن أن الأهم كون زيد هو الفاعل لا كونه فَعَلَ الفعل ، وما ينبه به السامع على هذا المعنى شيئان :
الأول : تغيير الترتيب العادي ، فكل شيء يخالف العادة هو أكثر تأثيراً في الفهم من المألوف .
والثاني : أن أول كلمة في الجملة هي على العموم المضغوطة في اللغة العربية إذا صرفنا نظرنا عما تبتدئ به الجملة من الأدوات كإن وأخواتها إلى غير ذلك " ( ) .
فبرجشتراسر لم يجد بداً من الاعتراف بهذه الفروق الدلالية الدقيقة وإرجاعها إلى تغيير الترتيب الذي يجعل بداية الجملة مضغوطة معتنى بشأنها ، وهذا الضغط هو ما سماه تمام حسان (المعنى الشأني) أو (البؤري) ( ) ، وهو ما يفهم من تحديد بؤرة الاهتمام بمضمون اللفظ بواسطة التقديم والتأخير .
يمكن أن نستخلص مما سبق أن أي تغيير في النظام التركيبي للجملة يترتب عليه بالضرورة تغير الدلالة وانتقالها من مستوى إلى مستوى آخر ، ومِلاك ذلك كله وتمامه الجامع له – كما ينص عليه البلاغيون ويلخصه القاضي الجرجاني- صحة الطبع وإدمان الرياضة فإنهما أمران ما اجتمعا في شخص فقصرا في إيصال صاحبهما عن غايته ورضيا له بدون نهايته – وأقل الناس حظاً في هذه الصناعة لا يعبأ باختلاف الترتيب واضطراب النظم وسوء التأليف ، ولا يقابل بين الألفاظ ومعانيها ولا يسبر ما بينهما من نسب ولا يمتحن ما يجتمعان فيه من سبب ( ) .
إن اختيار المتكلم لترتيب دون ترتيب باعتبار الظروف والمقاصد التي يريدها ، أي باعتبار نظام القيم ، ينتج عنه كون التقديم أو التأخير من نتائج الاختيار النحوي ، إذ يعود عدد الاختيارات الممكنة إلى بنية اللغة بالذات ، ففي بعض الأحوال لا يكون هناك سوى بديل واحد كتقديم الفاعل أو تأخيره ، فالمتحدث يختار أبنية لغوية تخضع لقواعد نحوية إجبارية في صياغتها لا مفر من اتباعها . وتظل هناك بعد ذلك مجموعة إمكانيات التعبير الاختيارية المتعادلة دلالياً بشكل أو بآخر يستطيع المتحدث أن يمارس فيها اختياراته الأسلوبية ( ) .
وبهذا يكون التقديم والتأخير نمطاً من الأنماط الدالة ، وهو وجه من أوجه الاختيار التي تُؤَدَّى بها المعاني ، وانتقاء بديل من البدائل الأسلوبية المتاحة تمثل مجالاً لتباري المبدعين باعتبار أن هناك ممكنات يختص قوم دون قوم بإدراكها واكتشافها ، فتكون التراتيب اللغوية المناسبة لها ملكاً لأولئك الذين يدركون كيفية استعمالها . وقد رأينا استحسان الجرجاني للتراكيب والتراتيب المنتقاة والتي عمها الحسن من جهة أن قدّمت فيها كلمة وأخّرت أخرى .
العدول في الأسلوب :
لكل أسلوب بياني دوافعه وأهدافه ، ولكل مبدع أسلوبه وطريقته في التعبير ، وإذا كانت بعض المدارس تجعل الأسلوب انتقاءً واختياراً ، وتلزمنا بمعرفة البدائل المتاحة ، تلك التي يعمل المنشئ فيها فكره بالاختيار والاستبعاد . فإن بعض الاتجاهات تحدد الأسلوب بأنه مفارقة أو انحراف أو عدول عن أنموذج آخر من القول ينظر إليه على أنه معيار ( ) . إن مدرسة الأسلوب باعتباره انحرافاً عن النمط تحاول أن تعزف على وتر المفارقة بين البنية السطحية والبنية العميقة خاصة في الحالات التي توصف فيها البنية السطحية بأنها غير نحوية ، إذ يلاحظ أصحاب هذه المدرسة كثرة ورود الجمل غير النحوية في لغة الشعر تلك الجمل التي لا يعود انعدام النحوية فيها أو انحرافها إلى جانب التركيب فحسب ، وإنما قد يكون له جانبه الدلالي أيضاً ( ) .
ولهذا كان بيروسلي يرى " أن الأسلوب هو التفصيل الدلالي ، أو هو الدلالة على نطاق مصغر . أما كيفية التعرف على التفصيل الدلالي من غيره فيحددها بأنها هي التي تعتمد على معيار الانحراف في اللفظ عن القاعدة العامة لتكوينه ونظمه ، فأي اختلاف في النظم يؤدي إلى اختلاف في الأسلوب " ( ) .
إن هذه العوارض والاختلافات التي تقع في بناء الجملة لا تتم بالنظر إلى البنية الأساسية أو الأصل أو القاعدة ، فلولا اعتبار هذه الأمور بالنسبة للتركيب في التحليل النحوي لما وجدنا ما يسمى بالتقديم أو التأخير أو الحذف . وهذان العارضان من أدل الدلائل على أن النحو العربي في تحليله لبناء الجملة كان يراعي الأصل والبنية الأساسية ( ) .
والبنية الأساسية تمثل النسق المحايد الذي يراد به مجرد الإخبار ، وحينما يريد المتكلم أن يجذب انتباه السامع إلى عنصر معين في الجملة ، أو يريد التركيز على عنصر معين لأنه يمثل في نظره زبدة البحث اللغوي ، فإنه يلجأ حينئذ إلى خرق هذا النسق بالانحراف عنه ، لأن لغة الفن لها بديل سابق عليها ، والمستوى الفني لا يقف عند هذا البديل ، بل ربما يدفعه الموقف المعين إلى أن يعدل عن ذلك الأصل بتغيير مواقع الكلم فيه أو بالزيادة أو الحذف . وهو لا يفعل ذلك عبثاً وإنما لينقل إلى السامع دلالة يرى أن أصل الوضع قد لا يفي بأدائها . إن العدول عن الأصل يمثل نوعاً من الخروج عن اللغة النفعية إلى اللغة الإبداعية ( ) .
ومن هنا وجه البلاغيون اهتماماً خاصاً لهذا المبحث ، ورصدوا عوارض بناء الجملة ، واعتبروا التقديم أحد هذه العوارض ، فوضع الكلمة في غير موضعها انحرافاً بها عن الأصل أو القاعدة لداعٍ من الدواعي التي تتغير به الدلالة تغيراً يوجب لها المزية والفضيلة ( ) . إن درجة الوعي في اختيار المتكلم أو المؤلف للمواد التي يوظفها أسلوبياً أو ينحرف عنها تختلف بين قيم تعبيرية لا شعورية تقريباً ، وتتكون من العناصر الاجتماعية والنفسية اللازمة للتعبير ، وبين قيم صياغة واعية ومقصودة شعورياً . يقول د. صلاح فضل : " بيد أنه إذا كان التمييز بين هذين اللونين من الاختيار صالحاً نظرياً فغالباً ما يصعب تطبيقه من الوجهة العلمية ، وهناك بلا شك حالات تتوفر فيها لدينا قرائن كافية للتدليل على أن الاختيار قد تم بشكل واع مقصود . فاللجوء المنظم للأدوات الأسلوبية مؤشر لا يخطئ على النشاط الواعي المقصود " ( ) .
وقد ألح الجرجاني على الوعي بالترتيب ، وجعله شرطاً في ترتيب الكلام ، ووضع الألفاظ موضعها . يقول : " وجملة الأمر أنه لا يكون ترتيب في شيء حتى يكون هناك قصد إلى صورة وصفة إن لم يقدم فيه ما قدّم ولم يؤخّر ما أخر ، وبدئ بالذي ثُنِّيَ أو ثَنَّي بالذي ثَلَّثَ به لم تحصل لك تلك الصورة وتلك الصفة ، وإذا كان كذلك فينبغي أن ننظر إلى الذي يقصد واضع الكلام " ( ) . وعملية الترتيب جزء من عملية الاختيار ، وهي عملية واعية مقصودة ، فمؤلِّف القول يفكر في المعنى الذي يريد أن يصوره ، ويرتب هذا المعنى في نفسه ، ثم يختار النظم المناسب لأدائه ، يُقدّم فيه ما تَقَدَّم في نفسه ويؤخِّر ما تأخَّر فيها .
أسلوبية العدول الرتبي :
يقع مبحث التقديم والتأخير في بؤرة مباحث الأسلوب الدائرة حول التركيب ، ويكتسب هذا المبحث أهمية خاصة من حقيقة أنه يخضع في كل لغة للطابع الخاص بها فيما يتعلق بترتيب الأجزاء داخل الجملة . وهو من الظواهر الأسلوبية الشائعة في القرآن الكريم وذلك لما له من تأثير في المعنى واللفظ معاً ( ) .
وهو مظهر من مظاهر أسلوبية كثيرة تمثل قدرات إبانة أو طاقات تعبيرية يديرها المتكلم إدارةً حيةً واعيةً فيسخرها تسخيراً منضبطاً للبوح بأفكاره . ومواقع الكلمات من الجملة عظيمة المرونة كما هي شديدة الحساسية ، وأي تغيير فيها يحدث تغييرات جوهرية في تشكيل المعاني وألوان الحس وظلال النفس ( ) . فالذي تظهر به المزية في الأساليب " ليس إلا الإبدال – الاختيار- الذي يختص الكلمات ، أو التقديم والتأخير الذي يختص الموقع ، أو الحركات التي تختص الإعراب ، فبذلك تقع المباينة " ( ) .
وقد وصف فندريس البحث القائم على تحديد القيمة الفنية أو الأسلوبية للتغيير في مواقع الكلمات بأنه " في غاية الدقة ، ويتطلب حساً لغوياً مدرباً ولطفاً عالياً في الذوق الأدبي ، يضاف إليها معرفة نادرة بالظروف الفيلولوجية للغة المدروسة " ( ) .
كما أن المعاني التي تكون أسبق وجوداً في الذهن من غيرها – والتي يلزم تقديمها اللفظي بحسب تقدمها الرتبي المعنوي- كثيرة متعددة بحسب تعدد أسبابها الموجبة لها النابعة من أبعادها ومواقعها في النفس ، ولا يعدل بها عن مواقعها ومراتبها التي استحقتها ، إلا إذا اقتضت التجربة الشعورية ذلك لأغراض وأبعاد نفسية معينة . وهذا هو الضرب الثاني من ضروب التقديم والتأخير القائم على أساس تقديم ما حقه التأخير وتأخير ما رتبته التقديم ( ) . فقد يعمد المبدع إلى هذا الضرب من الأسلوب في التعبير ، فيرتب الألفاظ على غير ما يقتضيه ترتيبها ووجودها الذهني ، وذلك من أجل تحقيق أبعاد نفسية معينة تنبع من طبيعة التجربة الشعورية والمعنى المراد نقله ، ومن ظروف وأحوال المقام الذي سيق فيه التخاطب ، مما يحتم على المتكلم تقديم ما حقه التأخير أو تأخير ما حقه التقديم . تقول : ( زيدُ جاءني ) إذا أردت أن تفيد فوق الإخبار بالمجيء ضرباً من الاهتمام بزيد والحفاوة بأمره ، وتوكيد تلك الحقيقة لسامعك لأهميتها ، أو لأنه على حال لا يتوقع مجيء زيد . وما شابه ذلك من تلك الألوان النفسية التي يبوح بها تقديم المسند إليه فإذا قلت : ( جاءني زيدٌ ) انقطع هذا الفيض من الهواجس والخواطر ، وكان الكلام كلاماً مرسلاً يجري في سياق خال من تلك النبضات التي جرى فيها السياق الأول ، لأنك لما زحزحت ( زيد ) ورميت به قريباً من الصدر صار قريباً من رأس الفكرة وبؤرة الاهتمام ( ) .
وكذلك الألفاظ التي تأتي حكماً في صدر الكلام وفي مطلع الجمل فإنها تحمل شحنات أسلوبية معينة ، فهي تشبه المفاتيح الموسيقية التي تكون فاتحة القطعة الموسيقية التي تحدد تنغيمها ( ) . كما إن الترتيبات المختلفة تصنف باعتبار درجتها البلاغية ، وكثيراً ما نقرأ في كتب المتقدمين أن هذا أبلغ من هذا ، وأن هذا القول أبلغ من ذاك ، ونعثر على مثل هذا في كتابات الجرجاني . وغاية الأمر فيه أن هذا الرجل يبين بالاعتماد على النظرية النحوية نجاح اختيار المتكلمين لترتيباتهم وما تبعها من مجازات . يقول الجرجاني متحدثاً عن أبيات البحتري التي يقول فيها :
بَلَوْنَا ضَرَائِبَ مَنْ قَدْْ نَرَى فَمَا إِنْ رَأَيْنا لِفَتْحٍ ضَرِيباً
هُوَ المَرْءُ أبْدَتْ لَهُ الحادِثَا تُ عَزْماً وَشِيكاً وَرَأْياً صَلِيباً
تَنَقَّلَ في خُلُقَيْ سُـؤْدَدٍ سَماحاً مُرَجَّى وَبَأساً مهيباً
فكَالسّيْفِ إنْ جِئْتَهُ صَارِخاً وكالبَحْرِ إنْ جِئْتَهُ مُسْتَثِيباً
( الضرائب : الطبيعة والخُلُق . الضريب : النظير والشبيه . مستثيبا : يطلب الثواب ) .
: " فإذا أنت رأيتها قد راقتك وكثرت عندك ووجدت لها اهتزازات في نفسك ، فعد فانظر في السبب ، واستقص في النظر ، فإنك تعلم ضرورة أن ليس إلا أنه قَدَّمَ وأخَّرَ وعَرَّفَ ونَكَّرَ وحَذَفَ وأَضْمَرَ ، وتوخَّى على الجملة وجهاً من الوجوه التي يقتضيها علم النحو فأصاب في ذلك كله ، ثم لطف موضع صوابه ، وأتى مأتى يوجب الفضيلة " ( ) .
إذن فأسلوبية التقديم أكيدة في العبارة العربية حاضرة في الذوق الأدبي ، تهب الجمال وتنزعه ، وتقوي الحكم وترفعه أو تضعه . يقول الرازي معلقاً على قول إبراهيم بن العباس :
فلو إذْ نَبَا دهرٌ وَأُنْكِرَ صَاحِبٌ وسَُلَِطَ أعْدَاءٌ وغَابَ نَصِيرُ
تكُونُ عَنِ الأهْوَازِ دَاري بنَجْوَةٍ ولكن مَقَاديرُ جَرَتْ وأُمُورُ
: " لم تجد لما فيه من الرونق والطلاوة والحسن والحلاوة شيئاً إلا من أجل تقديم الظرف الذي هو ( إذ نبا ) على عامله الذي هو ( تكون ) وإن لم يقل : فلو تكون عن الأهواز داري بنجوة إذ نبا دهر … وكل ذلك من معاني النحو كما ترى " ( ) . فاختيار تقديم الظرف – من جملة البدائل الأسلوبية المتاحة – هو الذي حقق للشاعر هذا المسلك البديع الذي اكسب عبارته وقعاً وجمالاً .
ومما لا شك فيه أن اختلاف العبارتين يترتب عليه اختلاف في المعنى وفي الحسن . يقول د. تمام حسان : " إذا اختلفت عبارتان وقد أفهمتا معنى واحداً ، فالفرق بينهما منوط بالأسلوب لا محالة ، وأول ما يميز أسلوباً عن أسلوب هو تفضيل طريقة تركيبية على طريقة تركيبية أخرى ، أضف إلى ذلك أن الطرق الأسلوبية تكشف عن الكثير من المميزات المزاجية لأصحابها حتى يمكن من خلال الأسلوب أن نحدد الشخصية " ( ) . ولذلك كان القدماء يوصون المتكلم بأن يجتهد في ترتيب ألفاظه وتهذيبها وصيانتها من كل ما يخل بالدلالة ، ويعوق دون الإبانة ، ولم يريدوا أن خير الكلام ما كان (غفلاً عرياناً ) ، مثلما يتراجعه الصبيان ويتكلم به العامة في السوق ( ) .
علل التقديم وإفادته :
كان الدارسون قبل عبد القاهر يكتفي أكثرهم ببيان أصل العبارة في دراسة التقديم دون أن يحاولوا الكشف عن المعاني الإضافية للنصوص المختلفة بإدراك جانب من العلاقات الداخلية ، فالفراء لا يتجاوز تلك النظرة المحدودة التي تحصر التقديم والتأخير في وضع كلمة موضع الأخرى ، وتبادل مكان الكلمتين فتفسح إحداهما مكانها للأخرى كما يقول في قوله تعالى : ***61533;وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى***61531; ( ) : " يريد : ولولا كلمة وأجل مسمى لكان لزاماً ، مُقَدَّم ومُؤَخَّر " ( ) .
وقد سار على هذا النهج كل من أبي عبيدة في مجاز القرآن ، وابن فارس ، والثعالبي ، دون أن يقفوا على الأسرار البلاغية والدلالية لأسلوب التقديم والتأخير ( ) .
وتناوله ابن قتيبة بقوله : " ومن المقدم والمؤخر قوله تعالى : ***61533;الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً***61531; ( ) أراد : أنزل الكتاب قيماً ، ولم يجعل له عوجاً . ومنه : ***61533; فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ***61531; ( ) ، أي بشرناها فضحكت . وقوله : ***61533; فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا***61531; ( ) ، أي فعقروها فكذبوه بالعقر " ( ) .
إلا أن الكتابات البلاغية تجاوزت بيان أصل العبارة بالنظر في أسباب التقديم ودلالاته ، وتوصل أصحابها إلى أن ما قدّم أو أخّر لا يكون إلا لعلة بلاغية ، وجعلوا علم المعاني مجال درسه وخاصة منه ما يتعلق بتقديم المسند والمسند إليه ومتعلقات الفعل ، وجعلوا لكل قسم عللاً وأغراضاً . فالمسند إليه يتقدم ( ) :
1- لأنه الأصل ولا مقتضى للعدول عنه ، كتقديم الفاعل على المفعول ، والمبتدأ على الخبر .
2- أو ليتمكن في ذهن السامع لأن في المبتدأ تشويقاً إليه .
3- أن يقصد تعجيل المسرة إن كان في ذكره تفاؤل ، أو المساءة إن كان فيه ما يتطير به .
4- أو إيهام أن المسند إليه لا يزول عن الخاطر.
5- أو إيهام التلذذ بذكره .
6- أو تخصيص المسند إليه بالخبر الفعلي إن ولي حرف النفي .
7- أو تقوية الحكم وتقريره .
8- أو لإفادة العموم .
* كما يتقدم المسند لأغراض منها ( ) :
1- تخصيص المسند بالمسند إليه كقوله تعالى : ***61533;وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ***61531; ( ) .
2- التنبيه من أول الأمر على أنه خبر لا نعت .
3- التفاؤل بتقديم ما يسر مثل : عليه من الرحمن ما يستحقه .
4 – التشويق إلى ذكر المسند إليه .
* ومن أغراض تقديم متعلقات الفعل ( ) :
1- الاختصاص : كقوله تعالى : ***61533; إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ***61531; ( ) .
2- الاهتمام بالمقدم كقوله تعالى : ***61533; قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ***61531; ( ) .
3- التبرك : مثل قولك : قرآناً قرأت .
4- رعاية الفاصلة كقوله تعالى : ***61533; فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ***61531; ( ) .
وهذه العلل أو الإفادات أو الأغراض يمكن تقسيمها إلى قسمين :
أ – قسم لفظي له صلة بالنظم ، والهدف منه تحسين العبارة من الناحية الشكلية ، وإضفاء طابع الجمالية والانسياب على العبارة كمراعاة الفاصلة والضرورة الشعرية .
ب – قسم دلالي يختص بالمعاني الإضافية المتولدة عن التقديم كالعناية والاهتمام والتخصيص والتقوية .
التقديم والعناية :
لقد صاغ البلاغيون بعض المبادئ التي يجدر بنا الوقوف عندها في أثناء مقاربة التقديم والتأخير منطلقين من مبدأ عام يتعلق بإفادات العلاقات النظمية ، ثم عن مصدر تلك الإفادات . والبلاغيون فسروا ظاهرة التقديم على أنها تركيز العناية والاهتمام بالعنصر المقدَّم ، فالمتكلم يختار ترتيباً دون آخر باعتبار الظروف والمقاصد ، وهو يقدم ما العناية به أشد ، قصداً إلى التأثير في السامع الذي أصبح معتبراً في العملية التواصلية . إن مفهوم العناية يمكّننا من النظر في التحويلات الممكنة للتراكيب ، فرغم أن كل مكونات الجملة تهم المتكلم إلا أن هذا الاهتمام وهذه العناية ليسا على درجة واحدة ، فالمقدم درجة الاهتمام به تفوق غيره . يقول الجرجاني : " وإنما يكون التقديم والتأخير على قدر العناية والاهتمام " ( ) .
إذن فالأهم واجب التقديم ، وهذا أصل في تعليل التقديم -أو كالأصل- وهو من جوامع الكلم ، وله اطراد في تعليل حالات التقديم والتأخير المختلفة . فتقديم المسند إليه ، وتقديم المسند ، وتقديم متعلقات الفعل ، كل ذلك يكون من أجل العناية والاهتمام ولهذا عدَّ د.إلياس ديب بيان الأهمية أهم الدواعي البيانية لتعليل التقديم ، وأصلاً لباقي المتعلقات البلاغية الأخرى ( ) . وتفسير هذا : أن التقديم دليل على أن المقدَّم هو الغرض الأهم . ففي قوله تعالى : ***61533; لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ ***61531; ( ) ، فقد قدّم اسم الإشارة الذي يريد به البعث ، فكان دليلاً على أهمية البعث ، وأن الكلام قد سيق لأجله . وفي قوله تعالى : ***61533; لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ***61531; ( ) قدَّم ( نحن وآباؤنا ) على اسم الإشارة (هذا) ، فكان ذلك دليلاً على أهمية المبعوثين ، وهم القصد من الحديث وليس البعث .
إن قضية العناية التي تناولها علماء النحو والبلاغة واللغة وما زلنا نقرأ عنها حتى يومنا هذا في كتب النحو والنقد والبلاغة ، أساسها من صنع سيبويه فهو أول من أشار إليها وطرق بابها ، يقول في ( باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى المفعول ) : " فإذا قدمت المفعول وأخرت الفاعل كقولك : ضربَ زيداً عبدُ الله ، وكان حظ اللفظ فيه أن يكون الفاعل مقدماً ، وهو عربي جيد كثير ، كأنهم إنما يقدمون الذي بيانه أهم لهم ، وهم ببيانه أعنى وإن كانا جميعاً يهمانهم ويعنيانهم " ( ) .
وفي باب ( كَسَى وما ينصب مفعولين ليسا المبتدأ والخبر ) يرى أن التقديم لبيان العناية والاهتمام كما كان في تقديم المفعول على الفاعل . يقول : " وإن شئت قدَّمت وأخَّرت فقلت : كَسَي الثوبَ زيدُ ، وأعْطَي المالَ عبدُ الله ، كما قلت : ضربَ زيداً عبدُ الله ، فالأمر في هذا كالأمر في الفاعل " ( ) . كما يرى هذه العناية والاهتمام في تقديم الظرف أيضاً ( ) . ويقول في باب ( إنَّ ) : " واعلم أن التقديم والتأخير والعناية والاهتمام ههنا مثله في باب كان " ( ) .
ويرى الزركشي أن وضع سيبويه للتقديم والتأخير قاعدة عامة هي أنهم يقدمون ما يعنون به " وذلك أن من عادة العرب الفصحاء إذا أخبرت عن مخبر ما – وأناطت به حكماً- وقد يشركه غيره في ذلك الحكم أو فيما أخبر به عنه ، وقد عطفت أحدهما على الآخر بالواو المقتضية عدم الترتيب ، فإنهم مع ذلك يبدءون بالأهم والأولى . قال سيبويه : ( كأنهم يقدمون الذي شأنه أهم لهم ) " ( ) .
ولعل سيبويه بلفته النظر إلى هذا السر البلاغي الذي تلقفه علماء النحو والبلاغة يكون قد أثرى كثيرا من المباحث البلاغية . ولا شك أن هذا يدل على أنه كان من الأوائل الذين أسهموا في تأسيس البعد التعليلي النظري للتقديم ، وفيه ما فيه من مراعاة موقع الوحدات داخل الرسالة اللسانية والشروط التي يفرضها عليه المقام التخاطبي .
ولعل من أهم الذين انتفعوا بمبدأ الاهتمام الذي أقره سيبويه عبد القاهر الجرجاني ، فقد سعى إلى تسويغ تقدم اللفظ أو تأخره بالنظر إلى ما يمثله في السياق ، وذلك بتوظيف ( الاعتبارات ) في البحث عن مصدر اهتمام المتكلم ببعض الجزاء الكلامية دون بعض . يقول الجرجاني : " واعلم أنا لم نجدهم اعتمدوا فيه شيئاً يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام قال صاحب الكتاب وهو يذكر الفاعل والمفعول : كأنهم يقدمون الذي بيانه أهم لهم … إن معنى ذلك أنه قد يكون من أغراض الناس في فعل ما أن يقع بإنسان بعينه ولا يبالون من أوقعه ، كمثل ما يعلم في حال الخارجي ، يخرج فيعيث ويفسد ويكثر به الأذى ، أنهم يريدون قتله ولا يبالون من كان القتل منه ، ولا يعنيهم منه شيء ، فإذا قُتل وأراد مريد الإخبار بذلك ، فإنه يقدم ذكر الخارجي فيقول: قتلَ الخارجيَّ زيدٌ ، ولا يقول : قتل زيدٌ الخارجيَّ ، لأنه يعلم أن ليس للناس في أن يعلموا أن القاتل له (زيد) جدوى وفائدة فيعنيهم ذكره ويهمهم " ( ) .
وقال في المقتصد معقباً على قول سيبويه : " يريد أنهم كانوا يقصدون ذكر كل واحد من المفعول والفاعل في قولك : ضرب الأميرَ زيدٌ ، فإنهم يقدمون الذي هو أجزل حظاً من العناية والاهتمام مفعولاً كان أو فاعلاً " ( ) .
فالتعليل بالعناية عند الجرجاني ذو طابع عقلي . يقول د. تامر سلوم : " وفي التقديم نرى أن المعنى الوجداني ليس أصلاً في حديث عبد القاهر الجرجاني ، إذ القول بالأهمية ، أو العناية ، وتأكيد الحكم ، ودعوى الانفراد ذو صبغة عقلية ، لا يتضح فيه تلمس الجانب الوجداني أو المعنى الأدبي " ( ) .
لقد أصبح مبدأ العناية والاهتمام أصلاً معتمداً عند البلاغيين المتأخرين الذين تابعوا سيبويه والجرجاني في دعوتهما إلى تسويغ تقدم اللفظ أو تأخره بالنظر إلى ما يمثله في السياق . يقول الزمخشري في تعليقه على قوله تعالى : ***61533; إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ***61531; ( ) : " هذا كلام جامع لا يزاد عليه . فإن قلت : كيف جعل ( خير من استأجرت ) اسماً (لإن) ، و( القوي الأمين) خبرا ؟ قلت هو مثل قوله :
أَلا إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ حياً وهالكاً أَسيرُ ثقيف عِنْدَهُم فِي السَّلاسِلِ
في أن العناية هي سبب التقديم " ( ) .
ويقول في تفسيره لتقديم كلمة ( راغب ) في قوله تعالى : ***61533; قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ***61531; ( ) : " لأنه أهم عنده وأعنى ، وفيه ضرب من التعجب والإنكار لرغبته عن آلهته ، وأن آلهته ما ينبغي أن يرغب عنها أحد " ( ) . وقريب منه قول ابن الأثير في الآية نفسها : " ولم يقل : أأنت راغب لأنه كان أهم عنده ، وهو به شديد العناية " ( ) .
ولم يخرج السكاكي عن ملاحظة سيبويه في التقديم . يقول : " والحالة المقتضية هي كون العناية بما يقدم أتمّ ، وإيراده في الذكر أهمّ ، والعناية التامة بتقديم ما يقدم والاهتمام بشأنه نوعان : أحدهما أن يكون أصل الكلام في ذلك هو التقديم ، ولا يكون في مقتضى الحال ما يدعو إلى العدول عنه . وثانيهما : أن تكون العناية بتقديمه والاهتمام بشأنه لكونه في نفسه نصب عينيك ، وأن التفات الخاطر إليه في التزايد ، كما تجدك قد منيت بهجر حبيبك وقيل لك : ما تتمنى ؟ تقول : وجه الحبيب أتمنى " ( ) .
لقد جعل السكاكي التقديم للعناية مطلقاً أي سواء كان المقدم من معمولات الفعل أو غيرها . كما جعل الأهمية ههنا قسيماً لكون الأصل التقديم ، ومراده بالأهمية ؛ الأهمية العارضة بحسب اعتناء المتكلم أو السامع بشأنه ، واهتمامه بحاله لغرض من الأغراض كقولك : قتلَ الخارجيَّ فلانٌ ، بتقديم المفعول ، لأن المقصود الأهم قتل الخارجي ليتخلص الناس من شره ( ) .
مظاهر العناية والاهتمام :
إن تقديم بعض المعمولات على بعض لا يكون إلا بكون ذلك البعض أهم ، لكن ينبغي أن يفسر وجه العناية بشأنه ، ويعرف له معنى ، ولا يكفي أن يقال : قدم للعناية والاهتمام ، من غير أن يذكر من أين كانت تلك العناية ؟ وقد وقع في ظنون الناس أنه يكفي أن يقال : إنه قدم للعناية ، ولتخيلهم ذلك قد قصر أمر التقديم والتأخير في نفوسهم وهونوا الخطب فيه ، ولعل ذلك ما ذهب بهم عن معرفة البلاغة ومنعهم أن يعرفوا مقاديرها ( ) .
يقول ابن يعقوب المغربي : " ثم كون الذكر أهم لا يكفي في علة التقديم لذاته ، لأن الأهمية نفسها حكم يفتقر إلى علة توجبها ، إذ الأهمية بالشيء هي الاعتناء به ، والاعتناء لا بد له من سبب ، فلذلك لو قيل : هذا أهم من ذلك ، كان هذا القائل بصدد أن يقال له لماذا كان أهم ؟ ومن أي وجه كانوا به أعنى ؟ " ( ) .
وبهذا يكون ذكر الأهمية كالقانون الجامع الذي سنسعى إلى تفصيله من خلال عرض بعض مظاهر وتجليات العناية الدائرة في فلك الانفعالات النفسية من تعجب واستعظام وفرح وحزن وتفاؤل وتشاؤم ومدح وذم وتشويق وتبكيت ، باعتبار أن الأهمية هي المعنى المقتضي للتقديم ، وجميع المذكورات تفاصيل له .
إن معظم علل التقديم هو من مظاهر العناية بالمقدَّم ، وهو تفاصيل للعناية ، إذ كانت العناية بمثابة القانون الجامع ، وكانت هذه المعاني النفسية مظهراً لها ، وهي لا تنحصر . والذي يطبع هذه الظاهرة الأسلوبية البلاغية ويحكمها هو الأبعاد النفسية الانطباعية ، ذلك أن النفس تُعنى وتتطلع إلى تقديم الذي بيانه لها أهم ، وهي بشأنه أعنى ، فقد يشغل نفسَ المتلقي أمرٌ من الأمور ، وتتطلع إلى خبره ، وتتشوق إلى ما تم بشأنه ، لكون التعرف عليه مهماً لديها ، أو لأن أموراً مهمة تترتب عليه ، فحينئذ ولكي يكون التعبير أكثر قدرة وقابلية على التأثير والإثارة ، يقدَّم فيه ما انعقد القلب به ، وإن كان حقه الترتيبي من حيث الوجود الذهني التأخير ، وذلك حتى يعجل للنفس ما تريد التعرف عليه فتطمئن وتستقر ، وإلا فقَدَ النص قيمته لانشغال النفس عما يرد فيه بما تعلقت به وتأخر بيانه في النطق ( ) .
وقد كان عبد القاهر أقرب البلاغيين إلى تفهُّم حقيقة هذه الظاهرة والكشف عن بعدها النفسي حينما ذهب إلى أن النفس إنما تُعنى بتقديم ما تهتم بشأنه ، وذلك لأنه ماثلٌ نصب العينين ، وأن التفات الخاطر إليه في ازدياد .
لقد اتضح من خلال ما سبق – بما لا يدع مجالاً للشك – أن العناية ومظاهرها أصل من أصول التعليل البلاغي لظاهرة التقديم والتأخير ، وأن ارتباطها بالملكات النفسية المعبر عنها بما تفرع عن العناية الدالة على حسن مراعاة المخاطب وسبر أغوار نفسه أمر لا يمكن تجاهله البتة .
وعلى هذا الأساس يمكننا تفسير التلوين الصوتي المتولد عن العدول التركيبي في الجمل بمعانقتها لسياقات التقديم والتأخير الرتبي بما يحمله من مظاهر العناية والاهتمام ، وتفريعات أهل النحو والبلاغة في هذا المقام .
* فمن هذا النموذج ما نلمسه من عدول تركيبي يتمثل في تقديم المسند إليه ( المبتدأ ) وهو في صورته المنكرة ، حيث إن حقه التأخير قفي هذه الحالة . وقد تناول البلاغيون مسألة ( الابتداء بالنكرة ) في أثناء حديثهم عن " تنكير المسند إليه " ، وقد جعلوا لهذا التنكير أغراضاً هي ( ) :
1- للإفراد ؛ أي القصد إلى فرد بعينه دونما تحديد .
2- للنوعية ؛ أي القصد إلى نوع بعينه محدد .
3- للتعظيم .
4- للتكثير .
5- للتقليل .
6- لإرادة العموم .
فإذا أردنا هنا في هذا المقام تلمس هذه الأغراض في الآيات التي وردت مبتدأٌ فيها بالنكرة ، يكون النسق كالتالي :
* ما ورد من النكرة للتعظيم ، تمثل في الآيات التالية :
– قوله تعالى : ***61533; فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ***61531; سورة الذاريات ( آية رقم 60 ) .
– قوله تعالى : ***61533; فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ***61531; سورة الطور آية رقم (11 ) .
– قوله تعالى : ***61533; لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ ***61531; سورة الطور آية رقم ( 23 ) . تعظيماً لشأن الجنة ، وتميزها عن الدنيا .
– قوله تعالى : ***61533; فوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ***61531; سورة المرسلات الآيات رقم ( 15 – 19 – 24 – 28 – 34 – 37 – 40 – 45 – 47 – 49 ) .
– قوله تعالى : ***61533; وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ***61531; سورة المطففين آية رقم ( 1 ) .
– قوله تعالى : ***61533; فوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ***61531; سورة المطففين آية رقم ( 10 ) .
– قوله تعالى : ***61533; وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ***61531; سورة الهمزة آية رقم ( 1 ) .
– قوله تعالى : ***61533; فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ***61531; ( ) . يقول الزمخشري : " فويل للمصلين على معنى : فويل لهم ، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم ؛ لأنهم كانوا مع التكذيب ، وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين " ( ) .
وكل ما ورد من نكرة مبتدأ بها بغرض الدعاء ، وبلفظ ( ويل ) فلا شك في أن إرادة تهويل العذاب المنتظر لهذه الفئات ، هو عين المراد هنا ، ليكون ذلك أقوى رادع ، وأشد مخوف لهم .
* أما ما ورد من النكرة ويراد به التكثير ، فيتمثل في الآيات التالية :
– قوله تعالى : ***61533; ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ***61531; سورة الواقعة آية رقم ( 13 ) . فهذه الفئة المؤمنة من أصحاب رسول الله ***61541; هم أكثر أهل الجنة ، وهم أهل المنزلة العالية . وهم لهذه الصحبة ، ولهذا البلاء الحسن ( ثلة ) كبيرة كثيرة آثرت الآخرة فنالوها معاً ، واستحقوا ما وعدهم الله من عظيم الجزاء والثواب .
– قوله تعالى : ***61533; وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ***61531; سورة القيامة آية رقم ( 24 ) .
– قوله تعالى : ***61533; قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ***61531; سورة النازعات آية رقم ( 8 ) .
– قوله تعالى : ***61533; وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ***61531; سورة عبس آية رقم ( 40 ) .
– قوله تعالى : ***61533; وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ***61531; سورة الغاشية آية رقم ( 2 ) .
فهذه الأصناف جميعها من الفئات التي ضلت وأضلت ، ولذا كان الأصل فيها أن تكون كثيرة في جانب أصحاب النار . فقد جاء سياق النكرة هنا دالاً على كثرة هذه الفئات يوم القيامة ، فقد ورد سياق الحديث بها في سياق الحديث عن القيامة وما يتبعها من أحداث ، لم تخالف آية منها في ذلك السياق . وجاءت النكرة في هذه الآيات مدللة على فداحة الخطب ، وكثرة الفئات الضالة في ذلك اليوم لأنه يوم الحساب ، فهو يوم العرض ، والمجازاة بالأعمال .
* أما ما ورد من النكرة ويراد بها التقليل ، فيتمثل في الآيات التالية :
– قوله تعالى : ***61533; وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ***61531; سورة الواقعة آية رقم ( 14 ) .
– قوله تعالى : ***61533; وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ***61531; سورة القيامة آية رقم ( 22 ) .
– قوله تعالى : ***61533; وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ***61531; سورة عبس آية رقم ( 38 ) .
– قوله تعالى : ***61533; وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ***61531; سورة الغاشية آية رقم ( 8 ) .
فالسياق هنا سياق تقليل لهذه الفئات الناجية يوم القيامة ؛ فالسابقون الأولون أكثريتهم من الأولين ، وأقلهم من المتأخرين . ومن ينعم برؤية المولى ***61529; منا هم فئة ناجية استحقت بإخلاصها هذه المنحة والمنة العظمى . ولذا كان سياق النكرة في هذه الآيات سياق تقليل ، وذلك لإبراز تميز هذه الفئات وتفردها بهذا المقام ، وهذه المكانة السامقة .
* وما ورد من النكرة للنوعية ، فيتمثل في الآية التالية :
– قوله تعالى : ***61533; فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ***61531; سورة الواقعة آية رقم ( 91 ) . أي أن هذا السلام مختلف تماماً عما عهدناه من سلامات ، فهو سلام أهل الجنة للنبي ***61541; سلام أصحاب اليمين ، مبلغا من قبل رب العزة ***61529; فهو سلام مختلف في نوعه ، مختلف في مصدره ، مختلف في منتهاه ، مختلف تماما فيمن يبلغه ويحمله . ويجوز هنا حمل النكرة على أن الغرض منها في هذه الآية هو ( التكثير ) ، وذلك لكون أهل اليمين في الجنة كثير ، وهم يسلمون على النبي ***61541; فتحمل النكرة هنا على هذا الغرض .
وهكذا فإن سياقات العدول في تقديم النكرة جاءت متناسبة مع السياق العام لهذه الآيات ، ومتناغمة مع النسيج النصي الذي وظفت فيه ، رعاية للبعد الدلالي والجمالي لهذه التوظيفات .
* كذلك من ألوان التلوين العدولي بالتقديم والتأخير ما أشار إليه أهل البلاغة من فروق دلالية بين الابتداء بأحد المعرفتين في السياق التركيبي ، أي عندما يكون المبتدأ والخبر معرفتين . فقد كان تقرير النحويين لهيكل الجملة الاسمية صريحا إذ جعلوا لهيكلها الرئيسي ركنين رئيسيين هما : ( المبتدأ ) + ( الخبر ) . وقد يتم اختراق هذا الهيكل لأغراض ومقاصد متعمدة .
وفي إطار البحث في هذه الأغراض والمقاصد المؤدية إلى هذا الاختلال التركيبي للنسق المثالي لهيكل الجملة الاسمية ، تناول النحويون بالتحليل أحد فروض هذه الهيكلة ، وهو ( التعريف والتنكير في ركني الجملة الاسمية ) . وما يقصد بالتعريف والتنكير هو فروض شكلية تتخذ شكلاً من الأشكال الآتية :
1- ( مبتدأ معرفة ) + ( خبر نكرة ) .
2- ( مبتدأ معرفة ) + ( خبر معرفة ) .
3- ( مبتدأ نكرة ) + ( خبر نكرة ) .
هذه الأشكال هي التي حكمت مسألة التعريف والتنكير لركني الجملة الاسمية . لكن أي هذه الأشكال هو الأصل الأول لتشكيل الهيكل التركيبي للجملة الاسمية ؟ وأيها يأتي تاليا بعد ذلك ؟ والإجابة على هذا التساؤل نجدها عند الكثير من النحويين . فابن السراج يشير إلى أنه : " إذا اجتمع اسمان معرفة ونكرة ، فحق المعرفة أن تكون هي المبتدأ ، وأن تكون النكرة الخبر ، لأنك إذا ابتدأت فإنما قصدك تنبيه السامع بذكر الاسم الذي تحدثه عنه ليتوقع الخبر بعده ، فالخبر هو الذي ينْكِره ولا يعرفه ، ويستفيده ، والاسم لا فائدة له لمعرفته به ، وإنما ذكرته لتسند الخبر إليه " ( ) .
فهو يجعل من الشكل الأول (الأصل) ، فالمبتدأ حقه التعريف ، والخبر حقه التنكير ليصح الإخبار عنه ، والتنبيه عليه . وتأمل قوله : ( لأنك إذا ابتدأت فإنما قصدك تنبيه السامع بذكر الاسم الذي تحدثه عنه ليتوقع الخبر بعده ) فقد جعل غرض هذا التعريف والتنكير هو تنبيه السامع ولفت انتباهه للخبر الذي لا يعرفه ، وذلك عن طريق المبتدأ الذي يعلمه جيداً . وهذا هو أسلوب البلاغة في أداء المعاني ، بالدلالة على المجهول بما هو معلوم ليكون ذلك أوكد للمعاني في الذهن .
والسهيلي يرى هذا الشكل الأصل المقرر إذ يقول : " حق المبتدأ أن يكون معرفة أو مخصوصاً ، وإلا لا فائدة في الإخبار عنه ، فإن لم يكن منعوتاً أو مخصوصاً ولا مستفهماً عنه ولا منفياً نحو : ***61533; َلا لَغْوٌ فِيهَا ***61531;( ) فلا يخبر عنه " ( ) .
والمهلبي ( ت583 هـ) يفصل المسألة أكثر بقوله : " حكم الاسم المبتدأ أن يكون معرفة لأنه إذ لم يعرف في نفسه فأجدر أن لا يعرف في غيره ، ولأنك إنما تخبر الرجل عمن لا يعلمه بما يعلمه ، فتقع الفائدة بإخبارك إياه ، فأما إذا أخبرته عمن لا يعلمه بما لا يعلمه لم تقع بذلك فائدة " ( ).
وعلى النهج نفسه يسلك ابن يعيش في المسألة باحثاً في جوانبها بقوله : " أصل المبتدأ أن يكون معرفة ، وأصل الخبر أن يكون نكرة ، وذلك لأن الغرض في الإخبارات إفادة المخاطب ما ليس عنده ، وتنزيله منزلتك في علم ذلك الخبر ، والإخبار عن النكرة لا فائدة فيه " ( ).
والنحويون على هذا الرأي ، إذ يقررون هذا الأصل ويعتمدوه في مؤلفاتهم ، كلّ بأسلوبه وطريقته الخاصة ( ) . أما حديثهم عن الشكلين الأول والثاني وهما كون المبتدأ والخبر معرفتين أو نكرتين معاً ، فقد فصل بعض النحويون القول في الابتداء بأحدهما . فقد أشار سيبويه إلى أنه إذا اجتمع معرفتان فالفيصل في الابتداء بأحدهما واعتماده ( مبتدأ ) ، واعتماد الثاني منهما ( خبراً ) هو المتلقي نفسه . يقول : " إذا كانا معرفتين فأنت فيهما بالخيار ، أيهما جعلته فاعلاً ورفعته ، ونصبت الآخر كما فعلت ذلك في ( ضَربَ ) وذلك قولك : كان أخوك زيداً ، وكان زيدٌ أخاك ، وكان هذا زيداً ، وكان المتكلم أخاك " ( ) .
فسيبويه هنا يجعل مقاليد الأمور كلها في يد المتلقي تأمل قوله : ( فأنت فيهما بالخيار ) أليس هذا معناه أنه لا فرق في المعني إذا ابتدأت بأحدهما ؟! لأنك بالخيار ، فلا فرق في الدلالة بين التركيبي ( زيدٌ أخوك ) و ( أخوك زيدٌ ) . وهذا مستغرب على سيبويه الذي يكرر في كتابه الكثير من الإشارات في بيان الفروق الدلالية بين التراكيب ، والمتولدة عن حركية أحد أركان الجملة في ذات الجملة إيجاباً وسلباً ( ) .
والمبرد يتناول المسألة من سيبويه ، لكنه يبرز الفروق المتولدة من الابتداء بأحد المعرفتين إذ يقول : " إذا قلت : ( ظننت زيدا أخاك ) فإنما يقع الشك في الأخوة ، فإن قلت : (ظننت أخاك زيداً) أوقعت الشك في التسمية " ( ) .
أما ابن يعيش فيسلك في تحليل هذه المسألة سبيل البلاغة إذ يغوص على الفروق الدلالية المتولدة من كون المبتدأ والخبر معرفة والابتداء بأحدهما ، فيجعل لكل منهما دلالات خاصة . يقول : " قد يكون المبتدأ والخبر معرفتين معاً نحو : ( أخوك زيدٌ ) و(عمرو المنطلقُ) و (الله إلهُنا) و (محمدٌ نبيُنا) ، فإذا قلت : (زيدٌ أخوك) وأنت تريد أخوة النسب ، فإنما يجوز مثل هذا إذا كان المخاطب يعرف زيداً على انفراده ، ولا يعلم أنه أخوه لفرقة كانت بينهما أو لسبب آخر ، أو يعلم أن له أخاً ولا يدري أنه زيد هذا ، فتقول : ( زيدٌ أخوك ) أي هذا الذي عرفته هو أخوك الذي كنت علمته ، فتكون الفائدة في مجموعهما ، فإن كان يعرفهما مجتمعين لم يكن في الإخبار فائدة " ( ) .
فهو في هذا النص يجعل للابتداء بأحد المعرفتين (زيد) و( أخوك) ضربين من الجمل هما : (أخوك زيدٌ) و(زيدٌ أخوك) . ويفصل القول فيما يتولد منهما من دلالات . فالابتداء بـ(زيد) يجعل المعنى المراد متمحوراً حول التنبيه على أخوة النسب ، وهذا عنده يجوز لأمور منها : معرفة المخاطب زيداً منفرداً ، أو جهله بهذا النسب بينه وبين زيد لافتراق كان بينهما ، أو لمعرفة المخاطب بهذه الأخوة لكنه يجهل تعيين هذا الأخ . وتنتفي هذه الدلالات تماماً عند الابتداء بـ(أخوك) إذ يكون التعيين هنا هو العامل المميز لهذه الجملة ، وذلك لأن الاستعانة بـ(كاف الخطاب) والتي تجعل هذا التعيين واقعاً في الابتداء ، فيكون المعنى : (هذا أخوك زيدٌ) . فالمعنى عمدة في تحليله في هذه المسألة .
أما ابن هشام فقد تناول المسألة أثناء حديثه عما يميز المبتدأ من الخبر ، وخاصة إذا كانا معرفتين ، فيدير المعاني في المسألة على النسق البلاغي ، يقول : " فإن كان المخاطب يعلم أحدهما دون الآخر فالمعلوم الاسم والمجهول الخبر ؛ فيقال : (كان زيدٌ أخا عمرو) لمن علم زيداً وجهل أخوته لعمرو ، و( كان أخو عمرو زيداً ) لمن يعلم أخاً لعمرو ، ويجهل أن اسمه زيد . وإن كان يعلمهما ويجهل انتساب أحدهما إلى الآخر ، فإن كان أحدهما أعرف فالمختار جعله الاسم فتقول : ( كان زيدٌ القائم ) لمن كان سمع بزيد وسمع برجل قائم ، فعرف كل منهما بقلبه ، ولم يعلم أن أحدهما هو الآخر . ويجوز قليلاً : ( كان القائمُ زيداً ) . وإن لم يكن أحدهما أعرف فأنت مخير نحو : ( كان زيدٌ أخا عمرو ) و( كان أخو عمرو زيداً ) " ( ) .
فابن هشام يدير الدلالات نفسها التي أثارها ابن يعيش في تناوله للمسألة ، لكن ما يحسب له بحق هو إشارته إلى كون أحد المعرفتين ضميراً أو اسم إشارة ودخلت عليهما كان ، فالأرجح في هذا المقام تعيين هذا الضمير مبتدأ وذلك لمكان التنبيه المتصل به ( ) .
أما السيوطي فينقل في هذه المسألة رأي ابن الخباز النحوي الذي يقول فيه : " إن قلت : ما الفرق بين ( زيدٌ أخوك ) و ( أخوك زيدٌ ) ؟ قلت من وجهين : أحدهما : أن ( زيدٌ أخوك ) تعريف للقرابة ، و( أخوك زيدٌ ) تعريف للاسم . والثاني : أن ( زيدٌ أخوك ) لا ينفي أن يكون له أخ غيره لأنك أخبرت بالعام عن الخاص ، و( أخوك زيدٌ ) ينفي أن يكون له أخ غيره ، لأنك أخبرت بالخاص عن العام " ( ) .
ألا يتضح مما سبق دوران النحويين حول دلالة – تكاد تكون واحدة تقريبا- متولدة من الابتداء بأحد المعرفتين ، هذه الدلالة هي من ابتكارات المبرد أولاً ، ولم يشر أحد من النحويين إلى ذلك .
ومسألة الابتداء بأحد المعرفتين تحمل في طياتها الكثير من أوجه البلاغة ، والغوص على المعاني التي مدار البلاغة وعنوان مباحثها . وتناول النحويين لهذه المسألة كان ينحو نحو الجانب التأملي في دلالات التراكيب ، لكون هذه التراكيب جاءت على غير الأصل المقرر في هيكلة الجملة الاسمية .
وخلاصة الرأي النحوي : أنه إذا اجتمع معرفتان أو نكرتان كلاهما نكرة محضة ، فإنه يمتنع تقديم الخبر فيهما لأمن اللبس ، وذلك عند انعدام القرينة الدالة على تعيين أحدهما ومنحه حق الصدارة . وهذا الأمر على أقسام :
الأول : المتقدم مبتدأ والمؤخر خبر سواء تساويا في درجة التعريف أو تفاوتا ، وهو الظاهر من رأي ابن عقيل ( ) .
والثاني : يجوز جعل كل واحد منهما مبتدأ لصحة الابتداء بهما جميعاً ( ) .
والثالث : إذا كان أحدهما مشتقا والآخر جامدًا ، فالمشتق هو الخبر سواء تقدّم أو تأخّر ، وإلاّ إن كانا جامدين أو كلاهما مشتقاً فالمقدم هو المبتدأ ( ) .
والرابع : المبتدأ هو الأعرف عند المخاطب ، سواء تقدّم أم تأخّر ، فإن تساويا في المعرفة عند المخاطب فالمقدم المبتدأ ( ) .
تلك هي آراء النحويين في مسألة اجتماع المعرفتين والابتداء بأحدهما ، وقد دارت كلها حول إبراز الفروق بين التركيبين من خلال الاتكاء على الجانب الدلالي واستثماره أفضل استثمار ، فخرج النحويون في هذه المسألة من العباءة النحوية إلى حيز أرحب وأوسع ، ولمسوا بحق ما يسميه البلاغيون بـ( معنى المعنى ) .
أما بحث المسألة عند البلاغيين فقد اتخذت مدار المعنى سبيلاً لها ، وتناولوها بالفحص والدرس والتحليل الدقيق ، وإن كان بدء هذا التحليل – كما هو دوماً – على يد عبد القاهر الجرجاني ، فلم نجد فيما سبقه من مؤلفات بلاغية أي إشارة إلى هذه المسألة من الوجهة البلاغية التحليلية .
فقد بدأ عبد القاهر ببحث المسألة بحثاً مفصلاً بقوله : " أما قولنا : ( المنطلقُ زيدٌ ) والفرق بينه وبين أن تقول : ( زيدٌ المنطلقُ ) ، فالقول في ذلك : أنك وإن كنت تريد في الظاهر أنهما سواء من حيث كان الغرض في الحالين إثبات انطلاق قد سبق العلم به لزيد ، فليس الأمر كذلك ، بل بين الكلامين فصل ظاهر " ( ) .
ثم يشرع بعد ذلك في تفصيل ما بين الكلامين من فروق دلالية ، وخلاصة قوله : أن قولك : ( زيدٌ المنطلقُ ) المعنى فيه ثبوت صفة (الانطلاق) لشخص ما دون تعيينه ، فيكون الشك في فاعل هذا الفعل ، فتعين هذا الفاعل بقولك : ( زيد ) ، فبذلك يعلم السامع أن فعل ( الانطلاق ) قد ثبت لفاعل (معنى لا رتبة) هو ( زيد ) ، فالفعل في هذه الجملة تمّ وانتهى . أما قولك : ( المنطلقُ زيدٌ ) فهو على معنى أن فعل الانطلاق يتم ويتكون الآن ، ولكن السامع لم يعين من صاحب هذا الانطلاق الذي يتم في هذا الوقت ، والابتداء بـ(زيد) هنا يعين صاحب هذا الفعل ( الانطلاق ) .
إذن عبد القاهر يتخذ من زمنية الحدث معياراً للتفرقة الدلالية بين الجملتين ، فهذا الزمن في جملة (المنطلقُ زيدٌ) في طور النمو والتشكل ، أما في جملة ( زيدٌ المنطلقُ ) فقد تمّ واكتمل .
لكن عبد القاهر يشير إلى لمحة دلالية غاية في الجمال والروعة إذ يجعل المعنى المتولد من الجملتين السابقتين ليس على إطلاقه ، لكن هناك بعض الاستثناءات ؛ منها : إذا كان أحد المعرفتين (اسم فاعل) أو (صفة) وبدئ به كان الغرض الدلالي مختلفاً عما سبقت الإشارة إليه . ومثال ذلك : قولك : ( اللابسُ الديباجَ صاحبُك ) فليس الغرض هنا إثبات لبس الديباج له ، لأن معاينتك إياه تنبئك عن ذلك . يقول عبد القاهر : " متى رأيت اسم فاعل أو صفة من الصفات قد بدئ به فَجُعِلَ مبتدأ ، وجعل الذي هو صاحب الصفة في المعنى خبراً ، فاعلم أن الغرض هناك غير الغرض إذا كان اسم الفاعل أو الصفة خبرا ، كقولك : ( زيدٌ المنطلقُ ) " ( ).
وينعي عبد القاهر على سيبويه رأيه الذي يجعل فيه الابتداء بأحد المعرفتين( بالخيار)( ) ، ويُعرِّض به دون أن ينص على اسمه ، ثم ينقض رأيه ويدلل على فساده بسوق العديد من الأمثلة والشواهد الشعرية ( ) .
أما الزمخشري فيسلك المسلك التطبيقي للتدليل على رأيه الذي ذهب إليه ، ففي تفسيره لقوله تعالى : ***61533; وَظَنُّوا أَنَّهُمُ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اْلَّلهِ***61531; ( ) يقوم بتعيين المعرفتين وهما ( مانِعَتُهم ) و( حصُونُهم ) ثم يعتمد ( مانعتهم ) خبراً مقدماً ، و( حصونهم ) مبتدأ مؤخراً ، ويجعل مدار النظم في هذه الآية هي الدلالة . يقول : " فإن قلت : أي فرق بين قولك : ( وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو مانعتهم ) وبين النظم الذي جاء عليه ؟ قلت : في تقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم ، وفي تصيير ضميرهم اسما لـ( إن) وإسناد الجملة إليه ، دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة ، لا يبالي معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع في معازتهم ، وليس ذلك في قولك : وظنوا أن حصونهم تمنعهم " ( ) .
فهو يجعل المعنى في الآية على النظم الذي وردت به في الذكر الحكيم ، على فرط ثقتهم بحصانة ومنعة هذه الحصون ، أي إثبات فعل المنع لكن لمن ؟ فيكون تعيين الحصون بهذا الفعل وهذا هو المقصد من نظم هذه الآية . بينما لو قدم ( حصونهم ) لكان المعنى على استمرار الثقة بفعل التحصن ، وهذا ما لا يستقيم مع الأحداث إذ أجلاهم المصطفي***61541; عن هذه الحصون فكيف يستمر فعل التحصن وهو منقوض . هكذا يطبق الزمخشري نظرة عبد القاهر في النظم كما أرادها ، يطبقها تطبيقاً جلياً على هذه الآية الكريمة ، ويخرج لنا بالدلالات الرائعة والمعاني الجليلة .
والرازي يسوق المسألة بشيء من التفصيل فيجعل المعنى في قولك : (زيدٌ المنطلقُ) على ثبوت صفة (الانطلاق) لكن ليس لمتعين ، ولذا فقولك : (زيد) تعيين لصاحب هذه الصفة ، أي حصر هذه الصفة في جانب هذا المتعين ( ) . أما قولك : ( المنطلقُ زيدٌ ) فعناه على اعتقاد من اعتقد انطلاق إنسان ما ولم يعينه ، فيجعل من تقديم (المنطلق) تعيين لهذا الإنسان وتخصيص له ( ) .
ويلخص الرازي المسألة بقوله : " الحاصل أن الإخبار يجب أن يكون عما يعرف بما لا يعرف ، فإذا قلنا : ( المنطلقُ زيدٌ ) فالمنطلق معلوم ، أما الشخص الذي هو المنطلق فمجهول . وإذا قلت : ( زيدٌ المنطلقُ ) كان المقصود إما حصر انطلاق معين ، أو حصر حقيقة الانطلاق " ( ) .
لكن الرأي العجيب الذي جاء به الرازي في نهاية بحثه للمسألة إذ يقول : " المبتدأ موصوف ، والخبر صفة ، فكما وجب أن يكون أحدهما في الوجود أولى بأن يكون موصوفاً ، والآخر صفة ، فكذلك في اللفظ ، فإذا قلنا : ( اللهُ خالقُنا ) و( محمدٌ نبيُّنا ) ، فالخالقية صفة لله تعالى ، والنبوة صفة لمحمد ***61541; فهما في الحقيقة متعينان للخبرية ، ولا يصلحان للمبتدئية " ( ) .
إن الرازي لما حاول هنا تقسيم المسألة ساق ما يخالف الإجماع ، فقد أراد جعل كل ما يصلح صفة ( خبراً ) سواء قدّم أو أخّر ، وعلة ذلك عنده أن الصفات لا تصلح إلا للخبرية . وهو في هذا الرأي مخالف لما قرره النحويون في هذه المسألة ، وكذلك مخالف لرأي عبد القاهر ، ولم يذكر حجة أو دليل على صحة ما ذهب إليه .
ويسير السكاكي على الدرب نفسه ( ) . ويتبعه على النهج ذاته القزويني دونما تجديد يذكر( ) .
تنــوير :
كان نظر البلاغيين لجزئية الابتداء بأحد المعرفتين متمحوراً في الاستشهاد القرآني حول آية قرآنية وحيدة هي قوله تعالى : ***61533; وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ ***61531; ( ). فقد وردت المعرفتان هنا ( مانعتهم ) + ( حصونهم ) معرفتان بالإضافة إلى الضمير . ونلمح تواتر البلاغيين على تناول هذه الآية بشيء من التفصيل والتحليل كما يلي :
فضياء الدين ( ابن الأثير ) في ( المثل السائر ) يتعرض للآية في أثناء بحثه باب " التقديم والتأخير " ، ويخرج الآية على أنها من باب ( تقديم الخبر على المبتدأ ) ، وذلك بإقرار ( مانعتهم ) خبرا مقدما على ( حصونهم ) المبتدأ المؤخر ، ثم يفلسف هذا التخريج معتمدا على ذوقه التحليـلي ، وتحليـله الذوقـي فيقول : " إنما قال ذلك ولم يقل : ( وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو ( مانعتهم ) لأن في تقديم الخبر الذي هو ( مانعتهم ) على المبتدأ الذي هو ( حصونهم ) دليلا على فرط اعتقادهم في حصانتها ، وزيادة وثوقهم بمنعها إياهم ، وفي تصويب ضميرهم اسما لـ( أن ) ، وإسناد الجملة إليه دليل على تقريرهم في أنفسهم أنهم في عزة وامتناع لا يبالي معها قصد قاصد ، ولا تعرض متعرض ، وليس شيء من ذلك في قولك : ( وظنوا أن حصونهم مانعتهم من الله ) " ( ).
إذن التقديم هنا لغرض محدد ومقصود هو إبراز الخلفية النفسية لهؤلاء اليهود المتحصنين بهذه الحصون ؛ إذ إنهم قوم ماديون يحتاجون دوما إلى الوثوق بما يلمس أي بالمادة ، دون ما يحس . ألم يقولوا لنبي الله موسى ***61557; حكي القرآن الكريم: ***61533; فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً***61531; ( ) . فهذه المادية هي عين المعنى المراد في آية سورة الحشر ، فقد وثقوا بالحصون وبأنها تمنعهم – حتى من الله – وقد خاب ظنهم فطردوا منها على يد المصطفي***61541; .
والعلوي في ( الطراز ) يسير على النهج نفسه ، إذ يصنف الآية على أنها من باب ( تقديم الخبر على المبتدأ ) بل ويكاد ينقل لنا نص ( ابن الأثير ) مع بعض التغيير في هيكل النص دون روحه ، يقول : " إنما قدّم قوله ( مانعتهم حصونهم من الله ) وهو حبر المبتدأ في أحد وجهيه ، ليدل بذلك على فرط اعتقادهم لحصانتها ، ومبالغة في شدة وثوقهم بمنعها إياهم ، وأنهم لا يبالون معها بأحد ، ولا ينال فيهم نيل . وفي تقرير ضمير ( هم ) اسما وإسناد المنع والحصول إليهم ، دلالة بالغة على تقريرهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة ، لا ترمى حوزتهم ، ولا يغزون في عقر دارهم ، ولو أخر الخبر لم يعط شيئا من هذه الفوائد " ( ) .
فالنص هنا يكاد يتطابق مع نص ( ابن الأثير ) تطابقا تاما ، ولا يتميز عنه سوى بإدراك ( العلوي ) لمسألة ( الابتداء بأحد المعرفتين ) ، يلمح ذلك من قوله : ( في أحد وجهيه ) أي أن هذا الخبر المقدم قد يتحرك ( سلبا ) فيكون خبراً مؤخراً ، أو ينسخ حكمه فيكون في موقعه مبتدأً . إن العلوي لم يسمح لنفسه أن ينطلق بفكره ، فلم يهتم باستنباط الدلالات الممكنة من وراء هذا التأخير ، واكتفي بتكرار عبارة ابن الأثير بمعناها فقال : ( ولو أخر الخبر لم يعط شيئاً من هذه الفوائد ) .
ونلحظ أن كلاً من ابن الأثير والعلوي من أنصار مدرسة التجديد أو محاولات التجديد التالية لمحاولات السكاكي وأنصاره المدرسيين المنطقيين . والسؤال الآن هل تناول السكاكي هذه المسألة هو وتلامذته بالبحث والتحليل ؟ والإجابة أن السكاكي قد بحث هذه الجزئية في بحثه لأحوال المسند عندما تعرض لـ( تعريف المسند ) . فقد أشار السكاكي إلى أن تعريف المسند لا بد أن يعتمد قبل ذلك على تعريف المسند إليه ، وهو ما قرره النحويون أن الأصل في الجملة الاسمية أن يُعرَّف المبتدأ ويُنَكَّر الخبر . لكن السكاكي يجعل تعريف ( المسند ) واجباً في حالة واحدة هي : إذا كان المسند عند السامع أو المتلقي متشخصاً أي ( معروفاً ) بأحد طرق التعريف ، وذلك لأن تعريف المسند استلزم قبل ذلك كون المسند إليه معرفة ( ) .
لكن ماذا يستفيد السامع من تعريف المسند إليه والمسند ؟ يجيب السكاكي : " يستفيد إما لازم الحكم ، كما ترى في قولك لمن أثنى عليك بالغيب : الذى أثنى علي بالغيب أنت . معرفاً لأنك عالم بذلك . أو الحكم كما ترى في قولك لمن تعرف أن له أخاً ، ويعف إنسانا يسمى زيداً ، أو يعرفه يحفظ التوراة ، أو تراه بين يديه ، لكن لا يعرف أن ذلك الإنسان هو أخوه ، إذا قلت له : أخوك زيدٌ ، أو أخوك الذي يحفظ التوراة ، أو أخوك هذا ، فقدمت الأخّ ، أو إذا قلت : زيدٌ أخوك ، أو الذي يحفظ التوراة أخوك ، أو هذا أخوك ، فأخرت الأخ معرفاً له في جميع ذلك " ( ) .
فالسكاكي هنا يجعل تعريف المسند إليه والمسند يفيدان أحد أمرين هما :
الأول : إفادة لازم الحكم ، ومعناه : الحكم على أمر معلوم بآخر معلوم ، أي أنه يتناص هنا مع الأغراض المستفادة من الخبر ، خاصة مع ما يسمى ( لازم فائدة الخبر ) . وهذا مغاير لعلم المخاطب بالحكم ، فقولك : أنت الذي مدحني بالقصيدة الرائعة ، معلوم لك أنه هو ، لكنك أردت أن تؤكد الحكم هنا .
والثاني : إفادة الحكم ، ومعناه : الحكم على أمر معلوم للسامع ، ومعرف بطريقة من طرق التعريف ، بأمر آخر غير معلوم له ، وذلك لأنه يجب عند تعريف المسند تعريف المسند إليه ، إذ ليس في كلام العرب مسند إليه نكرة ومسند معرفة ، فقولك : أخوك زيد اقتضى جهل السامع بأحد المعرفتين ، فلذا وجب إفادته حكماً بأن له أخاً هو زيد . فالأمر هنا على إفادة حكم لا لازم حكم .
ويعود السكاكى لينقل لنا رأياً مستفاداً من رأي النحويين في هذه المسألة ، مفاده : أنه إذا أتت معرفتان فليس كل منهما صالحا للابتداء ، بل هناك منهما من هو متعين دوماً للخبرية ولا يصلح للابتداء به ، ومنهما من يصلح دوماً للمبتدئية ولا يصلح للإخبار به ( ) .
وقد تواتر على هذا الرأي أتباع المدرسة السكاكية ، دون أي تجديد أو إضافة ، اللهم ما كان من بعضهم من توظيف بعض آيات النص القرآني في هذه المسألة ، مثلما فعل ( الطيبي ) الذي حاول إبراز ذاته التجديدية في إطار النظرية السكاكية بتوظيف الآي القرآني في هذه المسألة ، وقد تأتى له ذلك بصورة جميلة ( ) ، أو إضافة بعض أبيات الشعر ( ) ، أو الإفاضة في الشرح فقط ( ).
ورغم تخريج النحويين والبلاغيين لهذه المسألة ، وإبراز الآراء والأقوال فيها ، إلا أن حدود هذه الآراء لم يكن لتشمل دلالات آيات النص القرآني في توظيفه لهذه المسألة . فمثلاً قوله تعالى : ***61533; سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ***61531; ( ) ، فتعريف المبتدأ والخبر هنا لا يفيدنا لازم الحكم أو الحكم إطلاقاً . فالمسند إليه والمسند معرفتان وفي لازم الحكم تدل بأمر معلوم ( هو ) الدال على الذات الإلهية ، على أمر آخر معلوم ( العزيز ) وهو دال أيضاً على الذات الإلهية ، والاثنان معلومان في الذهن الإنساني بما لا يدع مجالاً لدلالة هذا على ذاك ، ولا ذاك على هذا .
والمتأمل لعظمة التركيب في الآية القرآنية كما يلي : ( هو العزيز الحكيم ) يجد أن البنية التركيبية تعطى دلالات تتضافر دون شك مع البنية السياقية للآية ومن ثم البنية السياقية للسورة . فالسياق في الآية في يتناول الحديث عن عبودية كل مخلوقات الله لله ، وتسبيحهم إياه على الدوام . تأمل دلالة التعبير بالفعل الماضي ( سَبَّحَ ) فليس المقصود هنا انتهاء فعل التسبيح ، بل المعنى على أن هذه المخلوقات جميعها سبحت – وتسبح وستظل تسبح – لله ***61529; قبلك أيها الإنسان ، وما زلت بجهلك وعنادك ، فاستلزم الأمر أن نرسل لك رسلاً وكتباً ، ولم تستدل مثل هذه المخلوقات على إلهك مباشرة ، بل أعملت عنادك ، فانظر وتأمل صبر الله عليك وحبه لك لما أرسل لك الرسل والكتب رغم ما أنت فيه من كفر وجهل وعناد ، ولم يأخذك أخذ عزيز مقتدر ( وهو العزيز الحكيم ) .
فالسياق هنا يقتضي الابتداء بالضمير الدال على الذات الإلهية لإشعار الرهبة في النفس عند سماعه . و ( هو ) ضمير دال مؤثر في مثل هذا السياق ، ثم أتبع بصفة واسم دال على التمكن من الأمور ، وطلاقة التصرف فيها والقدرة عليها ، وذلك بمطلق العلم بل بمطلق الحكمة . لكن هل يمكن أن تستفاد هذه المعاني والدلالات من تأخر الضمير المبتدأ به ( هو ) ليصير خبراً ؟ تأمل مثلاً قولنا : ( والعزيز الحكيم هو ) أننا بذلك نرى استقامة في البنية الهيكلية ، وفي المعنى الدلالي في غير القرآن ، لأن المعنى حينئذ : أن هناك أعزاء كثيرون فاقتضى منك ذلك تحديد المقصود بهذه العزة فقـلت : ( هو ) ، وحاش لله أن يكون هذا المقصود .
إذن التخريج النحوي والبلاغي لهذه المسألة يطرد على مادون القرآن ، أما النص القرآني فالمسألة تحتاج إلى دقة نظر عند بحث هذه الآيات ، دون قولبة الأغراض البلاغية الجاهزة ، وصبها على هيكل الآيات القرآنية دون وعي ، فلكل آية ذوق وطعم لمن أراد أن يتذوق .
وخلاصة القول : أن الرأي النحوي وقف في بحث هذه المسألة على الأصل الذي ينبغي أن تكون عليه هذه الهيكلة من حيث كون ( المبتدأ ) معرفة و( الخبر ) نكرة ، فهذا هو الهيكل النسقي للجملة الاسمية عندهم . وإن كان بعض النحويون قد تطرق بالتحليل إلى المعاني المتولدة من إتيان ( المبتدأ والخبر ) معرفتين مثلما فعل المبرد وابن يعيش ، رغم أن هذه الإشارة لم تكن كافية من جانب النحويين ، فقد كان الأولى بهم أن يفصلوا وهم أهلٌ لذلك دون غيرهم .
أما البلاغيون فقد استبان الأمر عندهم ، فتناولوا المسألة مقرين إياها بداية ، ومحللين لكل تركيب على حدة من حيث المعاني المتوخاة منه ، فلكلٍ دلالات تختلف تماماً عن الآخر . وقد وجدنا صدى هذا الجهد الذي فتق مباحثه عبد القاهر ، عند الزمخشري والرازي والسكاكي والقزويني . والتحليل البلاغي في هذه المسألة لم يتخذ الأساس النحوي منطلقاً له ، بل اتخذه مرمى للنقد ، وغرضاً للهدم ، وذلك لعدم اتكاء الأساس النحوي في هذه المسألة على روح التراكيب ، وفنية الأداء ، واكتفائه برصد الهيكلة الجملية التي تحكم علاقات الأركان فيها .
تلك هي بعض إشارات التلوين الصوتي بالعدول الرتبي ، أي بتوظيف فنية التقديم والتأخير في سياقات الجمل القرآنية ، وما اعتمدت عليه من تخريجات للنحويين والبلاغيين ، دارت معظمها على القواعد الجامدة دون مراعاة لروح النص القرآني وتفردات سياقاته .
الهوامش :
1. – ينظر : د. فايز الداية ، علم الدلالة العربي ، معهد الإنماء العربي ، حلب ، 1995 ، 21 .
2. – عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 10 .
3. – ينظر : أبو حيان التوحيدي ، الإمتاع والمؤانسة ، 1 / 121 .
4. – ينظر : د. عبد الحكيم راضي ، نظرية اللغة في النقد العربي ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، 1997 ، 213 .
5. – عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 111 .
6. – العلوي ، الطراز ، 2 / 66 .
7. – ينظر : عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 186 . – الرازي ، نهاية الإيجاز ، 159 . – الرضي ، شرح الكافية ، 1 / 100 .
8. – د. إبراهيم أنيس ، من أسرار اللغة ، 323 .
9. – سورة الأنعام : آية رقم ( 100 ) .
10. – ينظر : د. محمد عبد المطلب ، البلاغة و الأسلوبية ، 252 .
11. – برجشتراسر ، التطور النحوي ، 133 .
12. – ينظر : د. تمام حسان ، الأصول ، 385 .
13. – ينظر : القاضي الجرجاني ، الوساطة ، 412 – 413 .
14. – ينظر : د. صلاح فضل ، علم الأسلوب ، 89 – 90 .
15. – ينظر : د. سعد مصلوح ، الدراسة الإحصائية للأسلوب ، 106 .
16. – ينظر : د. عبد الحكيم راضي ، نظرية اللغة ، 489 .
17. – د. صلاح فضل ، علم الأسلوب ، 81 .
18. – ينظر : د. تمام حسان ، الأصول ، 47 .
19. – ينظر : د. يحيى أحمد ، الاتجاه الوظيفي ودوره في تحليل اللغة ، دار الثقافة ، الدار البيضاء ، 1998 ، 76 .
20. – ينظر : د. محمد عبد المطلب ، البلاغة والأسلوبية ، 248 .
21. – د. صلاح فضل ، علم الأسلوب ، 93 .
22. – عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 364 .
23. – ينظر : د. عبد الحكيم راضي ، نظرية اللغة ، 211 .
24. – ينظر : د. محمد أبو موسى ، دلالات التراكيب ، 175 .
25. – ينظر : عبد الجبار ، المغني في أبواب التوحيد والعدل ، إعجاز القرآن ، تحقيق : أمين الخولي ، مطبعة البابي الحلبي ، القاهرة ، 1966 ، 16 / 199 .
26. – ج . فندريس ، اللغة ، 187 .
27. – ينظر : د. مجيد ناجي ، الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية ، المؤسسة الجامعية للدراسات ، بيروت ،1995 ، 114 .
28. – ينظر : د. محمد أبو موسى ، دلالات التركيب ، 177 .
29. – ينظر : د. ريمون طحان ، الألسنية العربية ، المؤسسة الجامعية للدراسات ، بيروت ، 1994 ، 2 / 85 .
30. – عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 85 .
31. – الرازي ، نهاية الإيجاز ، 284 .
32. – د. تمام حسان ، الأصول ، 84 .
33. – ينظر : الجاحظ ، البيان والتبيين ، 1 / 135 . ابن رشيق ، العمدة ، 1 / 176 .
34. – سورة طه : آية رقم ( 129 ) .
35. – الفراء ، معاني القرآن ، 2 / 195 .
36. – ينظر : أبو عبيدة ، مجاز القرآن ، 1 / 124 ، 2 / 13 . – ابن فارس ، الصاحبي ، 412 . – الثعالبي ، فقه اللغة ، 322 .
37. – سورة الكهف : الآيتان رقم ( 1 ، 2 ) .
38. – سورة هود : آية رقم ( 71 ) .
39. – سورة الشمس : آية رقم ( 14 ) .
40. – ابن قتيبة ، تأويل مشكل القرآن ، تحقيق : السيد صقر ، مكتبة التراث ، القاهرة ، 1989 ، 158 .
41. – ينظر : السكاكي ، مفتاح العلوم ، 93 . – القزويني ، الإيضاح ، 101 . – ابن مالك ، المصباح ، 26 .
42. – ينظر : السكاكي ، مفتاح العلوم ، 105 . – ابن مالك ، المصباح ، 38 . – الجرجاني ، الإشارات والتنبيهات ـ 78 .
43. – سورة النور : آية رقم ( 42 ) .
44. – ينظر : الرازي ، نهاية الإيجاز ، 316 . – الزركشي ، البرهان ، 3 / 153 . – القزويني ، الإيضاح ، 53 .
45. – سورة الفاتحة : آية رقم ( 5 ) .
46. – سورة الأنعام : آية رقم ( 164 ) .
47. – سورة الضحى : آية رقم ( 9 ) .
48. – عبد القاهر الجرجاني ، المقتصد في النحو ، 1 / 330 .
49. – د. إلياس ديب ، أساليب التأكيد في اللغة العربية ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ،1999 ،66 .
50. – سورة النمل : آية رقم ( 68 ) .
51. – سورة المؤمنون : آية رقم ( 83 ) .
52. – سيبويه ، الكتاب ، 1 / 14 .
53. – السابق ، 1 / 19 .
54. – نفسه ، 1 / 27 .
55. – نفسه ، 1 / 285 .
56. – الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، 3 / 235 .
57. – عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ، 107 – 108 .
58. – عبد القاهر ، المقتصد ، 1 / 311 .
59. – د. تامر سلوم ، نظرية اللغة والجمال ، دار النفائس ، بيروت ، 1988 ، 131 .
60. – سورة القصص : آية رقم ( 26 ) .
61. – الزمخشري ، الكشاف ، 3 / 403 .
62. – سورة مريم : آية رقم ( 46 ) .
63. – الزمخشري ، الكشاف ، 3 / 20 .
64. – ابن الأثير ، المثل السائر ، 2 / 216 .
65. – السكاكي ، مفتاح العلوم ، 236 .
66. – التفتازاني ، المطول ، 202 .
67. – ينظر : عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 108 .
68. – ابن يعقوب المغربي ، مواهب الفتاح ، 1 / 389 .
69. – ينظر : د. مجيد ناجي ، الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية ، 117 .
70. – ينظر : السكاكي ، مفتاح العلوم ، 286 – 290 . القزويني ، الإيضاح ، 52 – 54 . الطيبي ، التبيان ، 257 – 260 .
71. – سورة الماعون : آية رقم ( 4 ) .
72. – الزمخشري ، الكشاف ، 4/ 804 .
73. – ابن السراج ، الأصول في النحو ، 1/59 .
74. – سورة الطور : آية رقم ( 23).
75. – السهيلي ، نتائج الفكر ،409 .
76. – المهلبي ، نظم الفرائد وحصر الشرائد ، تحقيق : د. عبد الرحمن العثيمين ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، 1986 ،61 .
77. – ابن يعيش ، شرح المفصل ، 1/85 .
78. – ينظر : – ابن معطي ، الفصول الخمسون ، 198 .- المرادي ، توضيح المقاصد ، 1/ 281 . -ابن عقيل ، شرح الألفية ، 1/216 . – ابن الناظم ، شرح الألفية ، 114 . – المكودي ، شرح الألفية ، 1/180 . – السيوطي ، الأشباه والنظائر ، 2/ 257 .
79. – سيبويه ، الكتاب ، 1/50 .
80. – السابق ، 1/59 ، 2/88 ، 2/127 .
81. – المبرد ، المقتضب ، 3/95 .
82. – ابن يعيش ، شرح المفصل ، 1/98 .
83. – ابن هشام ، مغني اللبيب ، تحقيق : د. مازن المبارك ، دار الفكر ، بيروت ، ط1 ، 1989 ، 432.
84. 3- السيوطي ، الأشباه والنظائر ، 2/ 268 .
85. 1 – ابن عقيل ، شرح الألفية ، 2/ 221 .
86. 2- الخضري ، حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ، 1/222 .
87. 3- المرجع السابق ، 1/ 223 .
88. 4- الرضي ، شرح الكافية ، 1/230 .
89. – عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 187 .
90. – عبد القاهر ، دلائل الإعجاز ، 187 .
91. – سيبويه ، الكتاب ، 1/50 .
92. – عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ، 188- 193 .
93. – سورة الحشر : آية رقم ( 2) .
94. – الزمخشري ، الكشاف ، 4/499 .
95. – الرازي ، نهاية الإيجاز ، 160 .
96. – المرجع السابق ، 162 .
97. – الرازي ، نهاية الإيجاز ، 163 .
98. 2- السابق ، 164 .
99. – السكاكي ، مفتاح العلوم ، 314- 316 .
100. – القزويني ، الإيضاح ، 104 .
101. – سورة الحشر : آية رقم ( 2 ) .
102. -ابن الأثير ، المثل السائر ، 2 / 38 .
103. – سورة النساء : آية رقم ( 153 ) .
104. – العلوي ، الطراز ، 235 .
105. – السكاكي ، مفتاح العلوم ، 314 .
106. – السابق ، 315 .
107. – السكاكي ، مفتاح العلوم ، 315 .
108. – الطيبي ، التبيان ، 265 .
109. – القزويني ، الإيضاح، 105 .
110. – ينظر : القزويني ، الإيضاح ، 104- 106 . الطيبي ، التبيان ، 264-265 . ابن مالك ، المصباح ، 42- 44 . السبكي ، عروس الأفراح ، 2/93 – 2/103 . التفتازاني ، المطول ، 174-181 . ابن يعقوب ، مواهب الفتاح ، 2/94 – 2/ 102 .
111. – سورة الحشر : آية رقم ( 1 ) .
الله يحفظك ويجعلها في ميزان حسناتك اختي شككككككككككككككككككككككككككرا